أضطرابات أسواق المال الخليجية وكيفية ضبطها

13/09/2015 0
بشير يوسف الكحلوت

شهدت بورصة قطر وأسواق المال الخليجية مستويات عالية من الإضطرابات في الأسابيع الأخيرة بتأثير عاملين أساسيين أولهما انخفاض أسعار النفط، وثانيهما بسبب اضطراب أسواق المال العالمية وخاصة في الصين والولايات المتحدة.

وفي حين كان من المسلم به القبول بتأثير انخفاض أسعار النفط على أسعار الأسهم المحلية والخليجية، فإن التأثير الكبير المستمد من تقلبات أسواق المال العالمية لم يكن له ما يبرره، وخاصة على النحو الذي حدث به من انخفاضات بنسب عالية.

ولكي تتضح الفكرة نشير إلى أن أسعار النفط قد  بدأت في الانخفاض منذ سبتمبر من العام الماضي، وأنعكس ذلك في الشهور التالية تدريجيا في صورة  انخفاض في الإيرادات العامة من ناحية، وما يتبع ذلك من استحداث خطط لضبط الإنفاق العام، وفي انخفاض أرباح بعض الشركات المدرجة  نتيجة لانخفاض أسعار منتجاتها، أو انخفاض الطلب عليها، أو بسبب ارتفاع سعر صرف الريال المرتبط بالدولار.

وأدى انخفاض مستويات الأرباح المعلنة لمعظم الشركات في النصف الأول من العام، إلى توقع حدوث توزيعات أقل للأرباح على المساهمين في الموسم القادم، فانخفضت أسعار الأسهم وهذا شيء منطقي.

أما أن تنخفض أسعار الأسهم بقوة نتيجة انخفاض أسعار الأسهم في أسواق بكين وطوكيو ولندن ونيويورك، ثم ترتفع في يوم آخر بنفس النسب أو نحوها، فذلك الذي يندرج تحت مسمى المضاربات التي لا مبرر لها.

فإذا كانت أرقام النمو الاقتصادي في الصين تتباطأ، فإن معنى ذلك أن أرباح شركاتها والتوزيعات على المساهمين سوف تنخفض بالضرورة، ومن ثم هناك مبرر لتراجع أسعار أسهمها.

ويشتد انخفاض أسعار تلك الأسهم نتيجة عوامل إضافية تتعلق بظروف التداولات في البورصات الصينية وما استجد فيها من تغيرات نتيجة التحول عن النظام الشيوعي.

وحدث شيئ مماثل مع البورصات الأمريكية، حيث أدى توقع رفع معدلات الفائدة على الدولار إلى انخفاض حاد في مؤشرات الأسهم الأمريكية، نتيجة لطبيعة آليات التداول المستخدمة والتي لا تقتصر على التداولات الفورية فقط، وإنما تتعداها إلى التداولات الآجلة التي تتأثر بمستويات أسعار الفائدة، كما أنها تشتمل على آليات البيع المسبق(شورت)، وآليات الشراء والبيع بحقوق الخيار، وتداولات صناديق الأسهم وغيرها.

وهذه الآليات غير مستخدمة في بورصة قطر ومعظم بورصات المنطقة، كما أن الأسهم المتداولة في البورصات العالمية تعود لشركات مختلفة عن الشركات الخليجية، من حيث ظروف أرباحها وتوزيعاتها.

 وعلى ضوء ذلك يسوغ للبعض أن يتساءل عن مبرر ما يطرأ على أسعار الأسهم في البورصات الخليجية من تأرجحات حادة كلما طرأت عوارض تقتضي حدوث ذلك في البورصات العالمية!!

قد يقول قائل إن ذلك يعود إلى وجود محافظ استثمارية أجنبية مسموح لها بالتداول في بورصات المنطقة، بنسب باتت تصل إلى 49% من إجمالي أسهم معظم الشركات المدرجة، ويكون لهذه المحافظ سياسات موحدة فيما يتعلق باستثماراتها في كل أسواق الأسهم العالمية، بحيث تُقبل على الشراء المكثف أو على البيع المباغت كلما طرأت على الأسواق المالية عوارض مفاجئة.

ومن ثم يجد المستثمر الوطني أو المحلي نفسه مرغماً على مجاراة ما يحدث من بيع أو شراء، وتصبح ظاهرة إضطرابات الأسواق المستوردة أصلاً ذات ملامح وطنية أصيلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن عما إذا كان بالإمكان الحد من هذه الظاهرة عن طريق آليات وطنية يتم وضعها لمنع انتقال الأثار السلبية لما يجري في بورصات العالم على البورصات الخليجية؟ في تقديري أن ذلك ممكن من خلال اعتماد السياسات التالية:

1-إذا كان الهدف من السماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في البورصات الخليجية هو العمل على تدفق الاستثمارات الأجنبية لأسواق المنطقة، فإن من الضروري أن يقترن ذلك بضوابط  لا تسمح لهذه المحافظ الأجنبة بالمضاربات السريعة، بحيث لا تقوم بالبيع قبل مرور فترة زمنية محددة على الشراء، وأن يتم البيع على مراحل وليس دفعة واحدة من أسهم أية شركة. وفي حالات محددة يُسمح لها بالبيع مقابل رسوم إضافية أعلى تزداد كلما قصُرت المدة بين الشراء والبيع.

2- أن يتم إعادة النظر في رسوم التداول بوجه عام بحيث تكون منخفضة كلما زادت فترة امتلاك الأسهم ، وتزداد على التداولات اليومية، بما يجعل المضاربات السريعة الأجل مكلفة، وخاصة بالنسبة لأحجام التداول المرتفعة.

3- إنشاء صندوق من أرباح البورصات لتعزيز دور مزودي السيولة في أوقات الإضطرابات بحيث يسمح لهم القيام بعمليات الشراء والبيع لشريحة من الأسهم دون أن يقترن ذلك بعقد اتفاقات مع أصحاب  الشركات المعنية.

4-السماح للشركات المدرجة بالشراء التدريجي لجزء من أسهمها في حدود 5% في أوقات الهبوط الحاد للأسعار، على أن تقوم بإعادة بيعها بالتدريج في الظروف العادية، ويكون ذلك برسوم مخفضة.

5- الإسراع بتفعيل آليات جديدة للتداول في البورصات، وخاصة ما يتعلق بالتعاملات الآجلة  والبيع المسبق، لكي يكون أمام المستثمر فرصة البقاء في السوق وعدم الخروج منه في فترات هبوط الأسعار، بل الاحتفاظ بأسهمه مقابل البيع المسبق لأسهم مماثلة في شهر آجل.

6- وضع خطط لنمو عدد الشركات المدرجة في البورصة سنوياً، بما يعمل، على النمو المتوازن لأحجام التداولات ولأسعار الأسهم، وعدم بقائها رهينة للتقلبات في الأسواق العالمية.

7- أن لا تتسم المعطيات المتعلقة بالبورصات بالجمود لفترات طويلة، وأن لا تتحول إلى مسلمات إذا ثبت عجزها عن مواجهة التحديات أو إحداث النمو المطلوب أو الاستقرار المنشود، بحيث تكون هناك مراجعات دورية للأوضاع وربما تغييرات في القيادات العاملة إذا اقتضت الحاجة.

8-أن يتم تحديث أنظمة التداول بما يحد من انتشار العروض الوهمية، ويوفر إمكانية الكشف عن التلاعبات بشكل آني ودقيق، ويعزز من كفاءة وعمق السوق من خلال المزيد من منصات التداول.

9- أن يتم الاستفادة من خبرات أسواق مالية ناجحة في مجال تحقيق النمو أو الاستقرار.

ويظل في بعض ما كتبت رأي شخصي قد يحتمل الخطأ، والله جل جلاله أعلم.