تحرير أسعار الوقود: الفرص والتحديات في دول الخليج

07/09/2015 0
د.خليل زهر

تذكّر التطورات الجارية في سوق النفط، تحديداً انخفاض الأسعار من مستواها الأعلى عام 2011 البالغ 112 دولاراً للبرميل الى نحو 40 دولاراً في الوقت الحالي، بمرحلة سابقة مشابهة في الثمانينات من القرن الماضي عندما انخفض السعر من 38 دولاراً عام 1980 الى 28 دولاراً في 1985 والى 16 دولاراً بعدها بعام.

واستمر السعر دون مستوى عام 1985 لفترة خمسة عشر سنة، أي حتى عام 2000. وساهم انخفاض السعر آنذاك واستقراره في نطاق معتدل، في إطلاق فترة طويلة من النمو في الاستهلاك.

حيث ارتفع الطلب خلال الفترة المذكورة من 48 الى 67 مليون برميل من النفط الخام يومياً.

وكما يجري الآن في الدول الخليجية المصدرة للنفط من توجه السياسة الاقتصادية نحو تخفيف أعباء الموازنة بسبب انخفاض الايرادات النفطية، شهدت مرحلة الثمانينات توجهات مشابهة شملت محاولات ترشيد الاعانات وتحرير أسعار الخدمات والتجهيزات العامة وترشيد نفقات الصيانة والتشغيل للأصول الرأسمالية المختلفة.

كما دفعت بالسياسات الهادفة الى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في توفير تلك الخدمات الى واجهة استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

لكن برامج تحرير الأسعار، بخاصة أسعار الكهرباء ومنتجات الطاقة والمياه لم تحقق كل غاياتها.

كما أن برامج التخصيص لم تستكمل اذ كان عدم تحرير الأسعار عائقاً رئيساً أمام استكمالها. بينما جاءت مشاركة القطاع الخاص في الكثير من المبادرات التنموية كإنشاء المدن الصناعية ومثالها أقل من المستهدف.

وإن كانت عودة الايرادات النفطية الى النمو مع ازدياد الطلب على النفط للفترة قبل عام 2000 والارتفاع السريع في الأسعار بعده قد أضعفا الحافز لاستكمال الاصلاحات، حيث بقيت أسعار الخدمات ثابتة على مستويات مدعومة حتى الوقت الحاضر، فإن العامل الأساس والأهم، هو أن أثر تحرير الأسعار لا يقتصر على الشرائح الفقيرة والمنخفضة الدخل فحسب كما يشاع، بل على معظم شرائح الدخل من المستهلكين.

والسبب هو أن فاتورة الخدمات بغياب الدعم تشكل نسبة عالية غير مقبولة من موازنة الأسرة، بينما المعيار الأول في تسعير الخدمات العامة هو «قدرة المستهلك على الدفع».

لهذا عليها أن تشكل نسبة مقبولة من موازنة الأسرة لأي شريحة من شرائح الدخل.

أما ارتفاع نسبة فاتورة الخدمات من موازنة الأسرة في ظل تحرير الأسعار، فيعود أساساً الى انخفاض كفاءة استهلاك تلك الخدمات أو استخدامها، مثل الكهرباء ومنتجات الطاقة الأخرى، والناجم أصلاً عن تدني أسعارها التاريخية فضلاً عن عوامل بيئية واجتماعية غير داعمة للترشيد، أدت كلها الى تراكم مرافق وتجهيزات سكنية وتجارية وحكومية كثيفة الاستهلاك للطاقة.

لذا تجدر في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة، الاستفادة من التجارب السابقة ومقاربة أزمة انخفاض الايرادات على أنها فرصة لتحرير أسعار الخدمات كخطوة ضرورية لوضع الاقتصاد على سكة التنمية المستدامة، من خلال تنويع مصادر الموازنة وقاعدة الانتاج.

وهذا لا يعني التغاضي عن الانعكاسات الاجتماعية لعملية تحرير الأسعار، بل اعتماد السياسات والآليات التي تعزز قدرة المستهلك على الدفع.

ونظراً الى أن حجم استهلاك الخدمات أو الاستفادة منها يرتبط طردياً بمستوى دخل الأسرة، فإن قدرة المستهلك على تسديد فاتورة الاستهلاك لا ترتبط بمستوى الأسعار أو بشريحة الدخل التي ينتمي اليها، بل بالنسبة التي تشكلها الفاتورة من دخله.

بالتالي فإن تحرير الأسعار يتطلب مرحلياً اعادة توجيه الدعم من إعانة الأسعار الى دعم اجراءات ترشيد الاستهلاك وخفضه، بحيث تصبح قيمة فاتورة الخدمات ضمن قدرة المستهلك، أي تشكل نسبة معقولة من دخله.

فعلى سبيل المثال، وفي ما يخص الكهرباء، يتم تحويل الإعانة المخصصة للأسعار حالياً، الى دعم اجراءات العزل الحراري واقتناء الأجهزة ذات الكفاءة العالية والتوعية على الإدارة الرشيدة للاستهلاك بهدف خفض فاتورة الكهرباء.

لا تقتصر فوائد تحرير الأسعار على خفض أعباء الموازنة بل تتعداها لما هو أهم، بخاصة أن دول الخليج لديها فوائض مالية تمكنها من تجاوز هذه المرحلة.

لكن بغض النظر عن ذلك، فإن تحرير الأسعار سيساهم في ترشيد استهلاك الموارد الوطنية والمرافق العامة، فضلاً عن تنشيط نمو استخدامات الطاقة المتجددة والبديلة.

بينما في قطاع النقل فإن تحرير أسعار الوقود سيؤدي الى رفع كفاءة وسائل النقل، وتعزيز نمو وسائل النقل العام ومعدلات استخدامها.

وفي قطاع المياه سيتيح ترشيد الاستهلاك وتعزيز موقع التقنيات ذات الكفاءة المائية العالية، فضلاً عن زيادة معدلات معالجة مياه الصرف وإعادة استخدامها.

كل ذلك سيصب في تعزيز قدرة هذه الدول على مواجهة التحديات التي تنتجها تقلبات أسعار النفط والضبابية المحيطة بتطورات أسواق الطاقة.

نقلا عن الحياة