إنه لمن المعلوم أن الأمتين العربية والإسلامية تواجه مشاكل لا حصر لها وفي "ذيل الأمم"، وذلك يعود لأسباب عديدة وعلى رأسها (نظام التعليم لديها متخلف).
وكما نعلم جميعاً أن العالم يتجه نحو التغيير باستمرار، ونظامنا التعليمي الحالي لا يواكب الاحتياجات الحالية، ومن الطبيعي أنه لن يستطيع مجاراة التغيرات والتطورات المستقبلية السريعة، ومما لاشك فيه أن مستقبل المملكة "بأسره" يعتمد على التعليم.
وقد قيل أن (الإقتصاد الجديد) نشط جداً لدرجة أن 80% مما نتعلمه في "المدرسة" سوف يصبح عتيقاً بحلول موعد التخرج، حيث أن 30% من الوظائف والشركات والصناعات والخدمات الرائجة الان لم تكن موجودة قبل عقد من الزمن.
وفي هذا العصر لايوجد صراع أقوى من (الصراع المعرفي)، والواجب علينا أن نعي جيداً أن "المعرفة" كفيلة بأن تعيد توازن الكفة، ونحن لن نصل إطلاقاً الى ذلك ونحن مازلنا ندور في حلقة) الصراعات الدينية، المذهبية، الطائفية، السياسية..)، والتي لا يخرج أحد منها كسبان بل تشتهر على مر التاريخ بأنها صراعات دموية عنيفة واستنزاف طويل، وتولد حكومات فاشلة وإقتصادات ومجتمعات متخلفة ومضطربة وفقيرة ومنعدمة الإنتاجية، وتؤدي إلى سقوط أمم ودول بأكلمها.
الحضارات المتقدمة اليوم سبقتنا بمئات السنين الضوئية، ذلك أنها تخطت الصراعات المذكوره آنفا نحو الصراع المعرفي، ونحن مازلنا نعيش على اطلال الماضي ولازال الأغلبية في المنطقة يرفض التطور والتقدم وركوب الموجة والمنافسة دولياً.
ولا بد من "وزارة التعليم" أن تمتلك إستراتيجية عصرية وبارعة في الإستثمار في العقول والمواهب الوطنية وتنمية الموارد البشرية المحلية، ولهذا ينبغي لوزاة التعليم إتخاذ جميع التدابير اللازمة لإصلاح وتطوير التعليم وتحصينه بالكامل من (تدخلات الرجعيين والفكر الظلامي)، وتصميم نظام شامل يتواكب مع الاحتياجات الحالية والتطورات المستقبلية بكل جدراة وتنافسية.
وينبغي للوزارة إبتعاث عدد من الباحثين والإداريين والمعلمين الى أفضل الدول الرائدة في مجال التعليم، وإستقطاب أفضل العلماء والخبراء الاجانب، وتوطين أرقى الخبرات الدولية، (بغرض إنشاء نظام تعليمي متميز).
ومن الأمور التي يجب النظر فيها إنشاء مراكز عالمية لتدريب وتطوير المعلمين ومراكز أبحاث عالمية في مجال تطوير التعليم، ومراكز لفحص الصحة العقلية والنفسية والجسدية لجميع من يريد مهنة التعليم بالإضافة يشمل المعلمين القدماء، وإنشاء وقف لتمويل التعليم العام.
وفي غاية الحكمة يجب أن يكونوا المعلمين من صفوة المجتمع المحلي والدولي، والطلاب من جميع الطبقات.
ويجب أن ترنو الوزارة الى إدراج "اللغة الفرنسية" إضافةٍ إلى اللغة الإنجليزية، ويجب المزيد من الإهتمام "بالإنجليزية" مع زيادة الحرص على اللغة العربية، بالإضافة النظر في دمج وتقليص عدد المواد، كدمج جميع المواد الدينية في مادة واحدة بإستثناء مادة "القرآن الكريم وتفسيره"، ويجب منع الأحاديث الضعيفة والغير صحيحة والمشكوك في صحتها، وعدم السماح لتداول الأفكار والآراء والتفاسير البشرية المتشددة، وإزالة جميع الشوائب التي تخالف جوهر الإسلام والتشكيك في العقيدة، ونبذ التعصب الديني والعنصرية بكافة أشكالها والأحادية الفكرية، وتحديث ماتحتويه (الماده الدينية) بشكل مستمر بما يواكب الوسطيه ومسايرة العصر ومواكبة عجلة التطور والتقدم (دون مس الثوابت)، ومن المهم جداً منع الغلاة من تدريسها بالإضافة إلى الأفتخار بالثقافة المحلية ولكن بالمقابل يجب إحترام جميع الثقافات الأخرى وتجريم التعدي عليها.
ومن الواجب على الدولة أن يكون أهمية التعليم بالنسبة إليها دوماً يأتي قبل أي شيء، وذلك أننا في عصر (من يمتلك المعرفة يمتلك جميع أسباب القوة اللازمة).
ويجب علينا (كمسلمين وعرب) قبل أن نكون "سعوديين" أن نحمل هم إنتاج أمة جديدة تحول المصائب إلى فرص، والنعم إلى نعم أخرى تلوا أخرى، وتعزيز مبدأ التسامح وإحترام الرأي الآخر "بإستثناء رأي المتعصب".
يجب أن يكون التعليم لدينا هو أساس ميزتنا التنافسية الإقتصادية وسلاح الدولة الفتاك ضد العدو، والعلاج الناجع لأي خلل داخلي في الدولة، وأن يقود الدولة دوماً إلى الإبداع والتجديد والتطور والتقدم السريع، وأن يساهم في تحسين سلوك المجتمع وثقافته ورفع المستوى الحضاري في جميع أرجاء البلاد.
ينبغي للوزارة أن تهدف إلى خلق أمة سعودية جديدة تمتاز بالإنضباط العالي، وتعظيم النظام واخلاقيات العمل، وتقديس الوقت والعمل، وتلتزم بالصدق والأمانة والنزاهة في أحلك الضروف والمواقف، والتمسك بالفضيلة.
تحتاج هذه البلاد الى مشروع إستراتيجي لتنوير المجتمع، وتحويل وزارة التعليم إلى منارة عملاقة تشع ضوءٍ ودفٍ في وسط المنطقة العربية، وذلك لإزاحة الظلام والجمود الذي يخيم علينا من منذ عقود طويلة، وكما يجب على الدولة بشكل عام والوزارة بشكل خاص أن تهدف دوماً إلى أن تكون جميع المدارس والمعاهد والكليات والجامعات مصانع، والطلاب مواد خام، وتحويل مواد الخام الى منتجات متنوعة وذكية تعمل على تحسين مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية الإقتصادية والإجتماعية.
وقد حان على السعودية إنشاء حضارة عربية وإسلامية جديدة تشرق من هنا، وتقود الأمة العربية والإسلامية إلى الرقي والتعايش السلمي، ومنافسة الأمم الأخرى في إنتاج المعرفة والإبداع بجانب النفط والغاز.
وفي نهاية المطاف يجب الإهتمام بغرس مبدأ "المواطنة والوحدة الوطنية"، ويجب تشجيع أبناءنا ليحققوا مالم نستطيع تحقيقه، ويجب أن نزرع في أبناءنا بأن الجهد والمثابرة هي اساس النجاح والتميز "لا الحظ"، وينبغي للوزارة أيضاً أن تزرع في كل طالب بأن كل ما بذلت جهد أكثر كل ما نلت أكثر، ويجب أن نجعل التعليم الصخرة التي ستتحطم فوقها "الفوضى الخلاقة".
بالعلم ترتقي الشعوب .. (العلم يرفع بيتاً لاعماد له)