الموازين الاجتماعية والاقتصادية

14/08/2015 2
عبدالله الجعيثن

وهي -في دنيا البشر- لا تزن بالعدل إلا ما ندر.. قد تجد من جمع ثروة بالفساد والحرام يجد كامل التبجيل والاحترام! وآخر يعمل بجد وإخلاص وعيشه كفاف ولا يأبه له الناس!.. وهذا تقريباً في معظم المجالات، وفي أكثر المجتمعات البشرية!.. الموازين مقلوبة والقيم شبه معطوبة!.. ولهذا يكثر في القرآن الكريم قوله تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يعقلون)، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون)، (ولكن أكثر الناس لا يشكرون)، (وإن كثيراً من الناس لفاسقون)..

وبالتالي فإن الموازين الاجتماعية شديدة الاختلال في أكثر الأحيان، تقوم على المصالح والمداهنة التي تقارب النفاق، فليس من المستغرب -لدى من يعرف طبائع الناس- أن يقدروا الثري جداً ولو لم ينفعهم بفلس، ولو ضرهم، ويزدرون الفقير -غالباً- ولو كان صالحاً مكافحاً..

المتنبي أدرك هذه الحقيقة وهو غلام، أرسلته جدته لشراء (جح = حبحب!) من السوق، فسأل البائع بكم هذا القفص؟ فقال بعشرة دراهم، سامها بثمانية فرفض البائع وعبس في وجهه، هنا أقبل حصان مطهم أصيل، ومعه عبدان يسيران حوله مسرعين على الأرض، فهش له البائع وبش، فأشار الرجل من طرف أنفه إلى (القفص) الذي سامه المتنبي قائلاً باستعلاء:

- بكم يا هذا؟!

فقال البائع بخنوع:

- بخمسة دراهم يا سيدي!

فأشار إلى أحد العبدين فرمى له خمسة دراهم، ثم قال:

- أحمله إلى قصري!

قال البائع:

- فوراً يا سيدي!

وانطلق بحصانه وعبديه وقد أثار الغبار حتى علا البائع والمتنبي معاً.. فلما هدأ الغبار قال المتنبي للبائع - كيف أطلبه منك بثمانية دراهم وتبيعه لهذا بخمسة وتحمله على ظهرك أيضاً؟!

فرد البائع مزدرياً غباء وجهل المتنبي:

ألا تعرف أن هذا من أثرياء بغداد؟!

رد: وإذا كان؟ هل سيعطيك شيئاً؟!.. وجم البائع ثم قال - لا.. ولكن لذي الغنى جلال!!

من وقتها قرر المتنبي أن يكون ثريّاً حتى إنه وصف كافور بالقمر في الجمال!

وبهذا نجد رأي المتنبي في الناس في غاية السوء!

- ومع أن العصر الحديث أفضل في حقوق الإنسان من عصر المتنبي إلا أن تلك الأفضلية مجرد طلاء وقشرة، أما الجوهر فلم يتغير والميزان لم يتعدّل!

 

نقلا عن الرياض