تناول بحث مُحَكَّم منشور قبل سنوات لاقتصاديين سعوديين يعملان في جامعة الملك سعود "التعليم والنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية"، حيث بين الزميلان د.عبدالله المالكي ود.أحمد بن عبيد أن بحثهما يستهدف قياس العلاقة بين التعليم ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي، ويستهدف أيضاً تحديد وتحليل محددات الانفاق على التعليم في المملكة، وبناءً على ذلك فإن البحث يفترض:
أن هناك علاقة إيجابية تبادلية بين التعليم والناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، وأن الإيرادات الحكومية وعدد السكان وعدد المدرجين في التعليم محددات الانفاق على التعليم.
ولا بد من الإقرار أن البحوث التي تتبع الأثر الاقتصادي للإنفاق الحكومي الضخم في شتى المجالات التنموية في بلدنا هي محدودة بالفعل.
وأن المتاح هو في جله جهود لأكاديميين.
ولعل من الملائم أن تضطلع الأجهزة الحكومية المعنية بالتنمية الاجتماعية-الاقتصادية، وعلى رأسها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بتتبع الأثر الاقتصادي للعديد من البرامج والمبادرات كجزء من جدوى تلك الجهود عند إقرارها، وقياس ذلك الأثر على الواقع بعد التنفيذ.
وبالتأكيد، فإن العديد من الجهود التنموية هي تكاملية بطبيعتها، فمثلاً مهمة منظومة التعليم أن تُعَلّم وليس مهمتها تتبع الأثر الاقتصادي للتعليم.
وهذا يُبرر قيام جهة معنية ولكن ليست تنفيذية بدراسات الكفاءة وقياس الأثر الاقتصادي، وبعد ذلك النظر في الوسائل والخيارات للارتقاء بالأداء رغبة في ردم الفجوة بين اقتصادنا والاقتصادات المتقدمة كدول مجموعة العشرين وبصورة أوسع دول منظمة التعاون الاقتصاد والتنمية.
وإذا أخذنا الانفاق على التعليم، فقد كان يقل عن 700 مليون ريال في بدايات التخطيط التنموي للمملكة، في العام 1970، وارتفع إلى نحو 45.6 مليار ريال في العام 1998، وبعدها أخذت تتوالى القفزات في الانفاق التعليمي حتى تضاعف إلى 96.7 مليار في العام 2007، وتضاعف مجدداً إلى 204 مليارات في العام 2013، وارتفع على التوالي إلى 210 مليارات ثم 217 مليارا في العامين 2014 و2015.
وهكذا، فإن الانفاق على التعليم يأتي في المرتبة الأولى متغلباً على ما سواه، وبذلك يمثل الأولوية الأولى ضمن سلم أولويات التنمية.
وتتسق معدلات الانفاق التعليمي في المملكة على ما توصي به المنظمات الدولية المتخصصة مثل اليونسكو، بل أخذ يتجاوزها في السنوات الأخيرة، ليقارب معدلات ما تنفقه دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة الدول ذات الاقتصادات الأفضل أداءً وتنافسيةً في العالم.
وليس من شك حول ضخامة الانفاق التعليمي، لكن السؤال:
ما العائد الاقتصادي المأمول؟ وهل سبق أن قاست الجهات المعنية في الحكومة الموقرة هذا العائد؟
وإن قاسته، فهل كان ضمن ما كان مستهدفاً؟.
لقد بنى الباحثان (المالكي وابن عبيد) نموذجاً قياسياً لاختبار مدى التداخل بين التعليم والنمو الاقتصادي في المملكة، وتحديد العلاقة التبادلية بين متغيرات التعليم والنمو الاقتصادي.
وقد توصلت دراستهما إلى أن زيادة الانفاق التعليمي بنسبة 1 بالمائة تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بمعدل 0.1 بالمائة في المدى القصير، وأن زيادة دخل القطاع غير النفطي بنسبة 1 بالمائة تؤدي إلى زيادة أعداد المدرجين في التعليم بمقدار 0.4 بالمائة، وأن زيادة عدد الطلاب بنسبة 1 بالمائة تتطلب زيادة الانفاق التعليمي بمعدل 0.33 بالمائة في الأجل القصير.
ولعل من أبرز النتائج التي توصلت لها دراسة الباحثين أن العلاقة بين الطلاب والنمو الاقتصادي ليست تبادلية إلا في حال وجود إنفاق تعليمي، وأن مخرجات التعليم الجامعي لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل الفعلية، وأن العوامل التي تحدد حجم الانفاق التعليمي في المملكة هي:
الإيرادات الحكومية، والمدرجين في التعليم العام، والانفاق التعليمي للعام الذي سبق.
لكن ما المساهمة المأمولة من التعليم الذي ننفق عليه حالياً نحو 7.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي؟ لعل التطلع لإجابة رقمية أمر غير ممكن، لكن لنرصد الأثر، فهناك على الأقل ثلاث آليات للتعرف على التأثير الاقتصادي للتعليم:
التعليم يزيد من رأس المال البشري مما يزيد من إنتاجية العمل والنمو، كما أن التعليم يزيد من القدرة الابتكار واجتراح معرفة وتقنيات ومنتجات جديدة بما يعزز النمو، ويسهل التعليم في تناقل المعرفة اللازمة لفهم ومعالجة المعلومات الجديدة وتطبيق التقنيات الجديدة التي وضعت من قبل الآخرين بما يعزز النمو الاقتصادي.
نقلا عن اليوم