عجز الموازنة بين الاقتراض أو السحب من الاحتياطات

12/08/2015 0
زياد محمد الغامدي

انخفاض أسعار النفط بأكثر من 50% منذ يونيو 2014، زاد من مقدار العجز في الموازنة، فنحن دولة تعتمد على النفط، وأي تذبذب في أسعاره انخفاضا أو ارتفاعا، سيكون له أثر مباشر على اقتصادنا.

النفقات المعلنة للعام 2015 تبلغ 860 مليار ريال، والعجز الحقيقي فاق الـ145 مليارا، وفق ما صرح به محافظ مؤسسة النقد الدكتور فهد المبارك.

والحقيقة أن أي قلق من انخفاض أسعار النفط، و تحقيق عجز للموازنة سواء لهذا العام أو للأعوام القليلة القادمة، يجب أن يترجم إلى خطوات فعالة للإصلاح الاقتصادي، ولكن أيضا لا يجب أن يكون مدعاة للقلق بأي حال من الأحوال، فمثل هذا الوضع المالي ليس أصعب ما مررنا به.

وأعتقد جازما أننا نملك من الخبرات المتراكمة ما يكفي لإدارة شؤوننا المالية بطريقة حصيفة تمكننا ليس فقط من تسيير شؤوننا المالية على المدى القصير، بل وحتى تسريع خطوات الإصلاح المالي والإداري لبلادنا بما يساهم في خفض النفقات وترشيدها وتعظيم الكفاءة التشغيلية لاقتصادنا دون أي اخلال بالخطط الحكومية الطموحة في الإنفاق التنموي على البنى التحتية على المدى المتوسط والبعيد.

تمويل العجز سيكون عن طريق إصدار سندات الدين الداخلي والسحب من الاحتياطات. إصدار سندات الدين إيجابي لانخفاض تكاليفه (انخفاض أسعار الفائدة)، كما أنها تشكل قناة استثمارية مهمة وذات جدوى للبنوك وشركات التأمين ولغيرها من المنشآت ذات السيولة النقدية العالية.

سندات الدين الداخلي لا تحمل في طياتها مخاطر تقلبات اسعار الصرف، كما أنه لا يمكن أن تستخدم بأي حال من الأحوال، ومن أي طرف خارجي كورقة ضغط سياسي، كما هي الحال مع سندات الدين الخارجية والتي تكون مقومة في العادة بإحدى العملات الرئيسية التي تستخدم كاحتياطي نقدي، كالدولار أو اليورو وغيرها.

كما أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في بلادنا من أقل النسب في العالم، وهذا يجعل أي قلق من ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي في حدوده الدنيا على الأمد القصير والمتوسط.

أما السحب من الاحتياطات فأمر منطقي هو الآخر، فلمثل هذه الظروف تم تكوين الاحتياطات أساسا، والسحب منها لتمويل جزء من العجز، استخدام حصيف لهذه الاحتياطات، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال النظر بعين القلق لاستخدام الاحتياطات لتمويل جزء من العجز، بل هو عمل حصيف منطقي متوقع بل ومطلوب.

انخفاض أسعار النفط وتأثيره على دخل بلادنا يجب أن يذكرنا جميعا ويحفزنا بضرورة التسريع في وتيرة الإصلاحات التي من شأنها فك ارتباط اقتصادنا بأداء أسعار النفط. فالنفط مصدر للطاقة يعتمد عليه لتحريك الآلة الاقتصادية، ولا ينبغي أن يكون مصدرا أساسيا للدخل والإنفاق.

لا بد من العمل على كل ما من شأنه زيادة كفاءتنا التشغيلية، بما في ذلك البدء ولو تدريجيا في رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والذي يكلف الموازنة أكثر من 150مليار ريال سنويا.

لا بد من تسريع وتيرة الخصخصة لما في ذلك من إيجابيات مهمة للقطاع الخاص والدولة على حد سواء. لا بد من العمل وبسرعة على زيادة الملائمة بين مخرجات قطاع التعليم واحتياجات سوق العمل، وغيرها من الإصلاحات المهمة.

تمويل عجز الموازنة سيكون بإصدار سندات دين داخلي والسحب من الاحتياطات، ولا ينبغي التخوف من وجود عجز في الموازنة بأي حال من الأحوال، إلا أن تسريع وتيرة الإصلاحات المالية والاقتصادية مهم جدا على المدى المتوسط والبعيد، لتلافي الخضوع للتقلبات السعرية لسلعة النفط الناضبة بطبيعتها.

النفط نعمة ولكن إخضاع اقتصادنا ورهنه بسلعة واحدة فقط خطر، كلنا يعلم به، ويحس به، ويعلم آثاره ونتائجه، وعلينا جميعا مسؤولية تحويله إلى مصدر لتحريك آلتنا الاقتصادية بدلا من أن يكون مصدرا أوحد للدخل.

نقلا عن اليوم