الائتمان وتعنيف العميل

20/02/2010 1
محمد العنقري

الائتمان بطبيعته المجردة هو منتج حاله كأي سلعة تنتجها الشركات الصناعية والخدمية، وبالتالي يجب أن ينطبق عليه بعض من الشروط العامة التي تحكم آلية طرحه، فجميعها تقدم للمستهلك وتقدم له وفق شروط تحكمها قوانين وأنظمة تجارية، ومن أبرزها التحذيرات التي توضع عليه وكذلك التنبيه لمساوئ الاستخدام والطرق الصحيحة له، وبذلك تحمي الشركات المصنعة والخدمية نفسها قانونياً وتكسب رضا العميل بذات الوقت. وفي حالة المنتج الائتماني فإن الكثير يحِّمل العميل المسؤولية عن أي تأثر يتعرض له في ما بعد الحصول عليه كالضغط على دخله وكذلك إذا تعذر عليه السداد بأنه لم يكن مؤهلاً ولا يجيد استخدام ما تم تقديمه له وبمعنى أدق ما تم تسويقه وبيعه عليه لكن هل استوفت القاعدة التجارية شروطها.

فالجهات الممولة تخضع عميلها لعقد إذعان وبكلام صغير وعدد هائل من الشروط لا يجد الراحة بقراءته ناهيك عن فهم المعنى القانوني والمغزى لكل شرط كما إنه يفتقر لآلية التحذير من المخاطر فلا يوجد لدى الممولين موظفو علاقات عملاء يشرحون للعميل مخاطر القرض ويوجهه إلى الطريقة الأنسب التي يستطيع من خلالها تحقيق رغباته بتكاليف أقل وضمن سياق الاحتياج بخلاف مساعدته على التخطيط المالي للمرحلة القادمة التي تعقب الحصول على التمويل وأن جل ما يقدم للعميل يصب في حجم القرض بحده الأعلى وفترة السداد ونسبته، وهي نقاط يستطيع هو نفسه حسابها. وتصبح طريقة التعاطي مع الائتمان هي مجرد تسويق لموظفي البنوك للحصول على عمولات بسبب أن البنوك تضع حد أدنى لكل موظف يجب أن يحققه سنوياً حتى يحظى بتقييم جيد ومكافآت مجزية وهذا ما يجعل جل الحديث عن منتج القرض يصب في جانب إقناع العميل بالحصول عليه بأعلى رقم متاح ويغيب عن جلسة التنويم المغناطيسي التي يخضع لها المقترض أي علامات بارزة تحذيرية من أن القرض سيجلب معه أسلوباً ونهجاً لحياة جديدة سيعيشها العميل خلال فترة القرض والبنوك والمصارف تبقى مسرورة لأنها سترتفع أرباحها من عمولات القرض بخلاف أن الراتب سيحول لها مما يزيد من حجم الودائع وبالتالي قدرتها المستقبلية على التوسع بالإقراض فتكون الفائدة للبنك مزدوجة. إن علم التسويق يفرض منطق الإبقاء على العميل من خلال توفير كامل المعلومات التي يجب أن يعرفها عن أي منتج يسوق له وإلا لما سمعنا الغالبية تشتكي من الممولين وتعتبر أنفسها مغرراً بها بعد أن يعايشوا الواقع الجديد. وهذا لا يعفي العميل من مسؤولياته فهي مشتركة أيضاً بين الطرفين وهو مطالب بفهم احتياجه أولاً بعيداً عن نظرية المحاكاة التي يحاول البعض فرضها كاحتياج ضروري لا غنى عنه. ولكن السبب في تشكلها يبقى هو حجر الزاويا، فلو فكر بمنطق لوجد أنه بغنى عن أشياء كثيرة يستهلكها دون فائدة بخلاف ضرورة استخدام نفس الأسلوب عند شرائه لأي قطعة أو آلة عندما يسأل عنها بتفصيل دقيق.

لكن محاولة فرض نغمة تحميل العملاء مسؤولية ما يقع عليهم من ضرر تخرج عن المنطق فأصحابها يمتدحون البنوك على أدائها القوي بتحقيق أرباح عالية وبنفس الوقت يتناسون حقيقة مصدر هذه الأرباح والأوضاع الإيجابية للبنك أو المصرف والتي هي بنهاية المطاف من العميل الذي يرهن عدة سنوات من عمره لتلك الجهة الممولة والذي يحمل المسؤولية على تردي أوضاعه الاقتصادية. فضلاً عن ضرورة بحثهم بالأسباب التي دعته للحصول على هذه النوعية من القروض، فغياب بنوك اجتماعية بشكل واسع يغطي احتياجات الناس عند الضرورة أحد الأسباب و تراجع قوة الريال الشرائية وضعف القدرة على الادخار للحصول على بعض الاحتياجات دون اللجوء لوسائل تمويل أخرى سبب آخر وارتفاع تكاليف المعيشة واحتياجاتها والتزاماتها خصوصاً بالمدن الكبرى سبب آخر وبطئ نمو الرواتب بنفس وتيرة انخفاض قيمة الريال سبب أيضاً خصوصاً للقطاع العام. كما أن غياب الدور الاجتماعي للمصارف والبنوك بشكل ركزت فيه على الإقراض الاستهلاكي دون التنموي بنسب متوازنة سبب ضغطاً على مساهمتها بتنمية البيئة الإنتاجية بالمجتمع من خلال غياب القروض للمشاريع الصغيرة التي صنعت بدول أخرى شركات كبرى والأمثلة معلومة لدى الجهات الممولة أكثر من غيرها.

إن ارتفاع حجم سوق الائتمان ما هو إلا نشاط إنتاجي للصناعة المصرفية وتعتريها العديد من عوامل الضعف فهي تصب في صالح تنمية ثقافة الاستهلاك على حساب الإنتاج وكذلك هي معاكسة تماماً لترويج ثقافة الادخار عبر برامج يفترض أن تقودها البنوك والمصارف وأن وصول حجم القروض الشخصية إلى ما يقارب 200 مليار ريال بنمو كبير فاق أكثر من 200 بالمائة خلال السنوات العشرة الأخيرة والدليل على ذلك سوق تمويل شراء السيارات ومنذ مطلع التسعينات وصل إلى معدلات بلغت بالمتوسط قرابة 11 مليار ريال رغم أنها سلع لا تنتج محلياً وهذا ينطبق على أغلب السلع الاستهلاكية التي تمول رغم أن جلها مستورد فلا يكون هناك فائدة على الاقتصاد بإطاره العام والخاص. برامج الائتمان يجب أن يعاد النظر بها خدمة لجميع الأطراف وبنهاية المطاف للاقتصاد الكلي كما أن برامج

التمويل الحكومية تعتبر تجربة إيجابية ساهمت بسد فجوة السلبيات التي خلفتها السوق التجارية التي ارتكزت على تحقيق الأرباح دون النظر إلى الانعكاسات المطلوبة منها لتنمية الطاقة الاستيعابية للاقتصاد وكذلك تحسين دخل الفرد ومشاركته النجاح بمشاريعه لزيادة رقعة الفائدة للمصارف من خلال تحسين أحوال عملائها. فمن المهم إعادة تقييم المرحلة السابقة والنظر إليها بموضوعية دون تحميل طرف المسؤولية على حساب آخر .