عندما نجح في كانون الثاني (يناير) الماضي، للمرة الأولى في التاريخ الأوروبي الحديث، حزب يساري راديكالي في الانتخابات اليونانية بزعامة شاب ماركسي متحمّس، لم تتلقَّ أوروبا ذلك النجاح بارتياح.
ولا يعود ذلك فقط إلى تصريحات تسيبراس النارية، التي وعد اليونانيين فيها حينها بالتخلّي عن إجراءات التقشّف والمطالبة بإلغاء نصف ديون اليونان، وإنما إلى تصميم أوروبا، بقيادة الدول الشمالية فيها، الوقوف في وجه أية نجاحات يسارية متشدّدة ضمن حدودها، بعد الموقف الروسي من أوكرانيا وضمّها الى شبه جزيرة القرم.
فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي، والانفتاح الصيني على الغرب، أصبح كثر ينظرون إلى الماركسية واليسارية كشيء من الماضي لا يثير لديهم أية مخاوف.
ولكن التغيير الذي أدخله الرئيس بوتين على الموقف الروسي، وعودة الروح إلى بعض الأحزاب اليسارية الأوروبية، وتصريحات بعض المعنيين في الولايات المتحدة بأن روسيا أصبحت خطراً على المعسكر الغربي، خصوصاً الولايات المتحدة، واحتمال عودة الحرب الباردة، أمور أدخلت تغييراً في قواعد اللعبة الأوروبية.
وفي وقت أعطى اليونانيون أصواتهم إلى تسيبراس، أظهر استطلاع للرأي أن غالبيتهم (75 في المئة ) ترغب في البقاء في منطقة اليورو.
وهذا يعني أن التفويض الذي منحه اليونانيون لرئيس حكومتهم الجديد لا يشمل المسّ بعضوية اليونان في اليورو. وأعطت تلك النتائج قوة للموقف الأوروبي في المفاوضات، بينما أضعفت موقف تسيبراس. فاليونان لن تتّخذ خطة أحادية بترك اليورو.
وأوروبا وإن لا تستطيع، بموجب اتفاقات لشبونة وماسترخت، طرد أية دولة عضو، ولكن بإمكانها أخذ موقف متشدّد وفرض شروطها، وهذا ما حصل مع اليونان.
من المؤكد أن اليونانيين يتمنون الآن، لو أنهم لم ينضمّوا إلى اليورو أصلاً، وأبقوا على عملتهم الوطنية الى حين وصول اقتصادهم إلى درجة من التطوّر تتناسب مع اقتصادات بقية الدول الأعضاء الأكثر تقدماً. ولكن، لا يمكنهم الآن النظر إلى الخلف. فالوضع بعد الانضمام يختلف تماماً عن الوضع قبله.
معروف أن انضمام اليونان إلى المجموعة الأوروبية في الأول من كانون الثاني (يناير) 1981، كان برغبة شديدة من أوروبا، التي أرادت أن تقتطع هذا البلد من محيطه الشرق أوسطي المسلم وتدمجه في أوروبا، باعتباره بلداً أوروبياً تمثّل حضارته العريقة وفلسفته أساس الحضارة والديموقراطية في أوروبا.
وأظهر عدد غير قليل من اليونانيين في حينها، معارضة للهوية الجديدة التي قررت أوروبا إعطاءهم إياها، وبيّنوا أن اليونان لا تشارك أوروبا في الكثير من تقاليدها واعتباراتها، وأنها دولة شرق أوسطية أكثر منها أوروبية.
ولكن الترغيبات التي أظهرتها المجموعة الأوروبية في حينها، استساغها جيل الشباب في اليونان في شكل خاص، لأنه كان يطمح الى الحصول على الامتيازات الأوروبية، بخاصة حرية الانتقال والعمل والانطلاق من محيطه التقليدي إلى محيط أرحب.
لا بدّ من الاعتراف بأن أوروبا كتكتل إقليمي، وألمانيا بالذات، أعطت بسخاء الدول الضعيفة الأعضاء لمساعدتها على إدخال إصلاحات اقتصادية وقانونية وإدارية تتماشى مع المعايير الأوروبية، ولتطوير اقتصاداتها.
ولكن اليونان لم تتحوّل على مدى أربعة وثلاثين عاماً، من اقتصاد نام إلى اقتصاد متقدّم. وظلّت تعتمد في شكل رئيس على السياحة والزراعة وصناعة السفن، ما أبقاها اقتصاداً صغيراً لا يشكل ناتجه أكثر من 2 في المئة من إجمالي الناتج الأوروبي.
وبعد انضمامها إلى الوحدة النقدية في 1999 وتبنّيها اليورو، بدأت الحكومات اليونانية تنفق بإفراط، معتمدةً على الاقتراض من خلال إصدار السندات الحكومية التي كانت تشتريها البنوك التجارية وتعيد حسمها لدى البنك المركزي الأوروبي بسهولة.
وأظهرت الأحداث لاحقاً، أن اليونان لم تعطِ أرقاماً صحيحة عن نسبة العجز السنوي للموازنة ونسبة تراكم الدَين، متجاوزة بذلك نصوص اتفاقية ماسترخت. ولم تظهر الحقائق إلا بعد تفجّر أزمة «ليمان براذرز» في الولايات المتحدة.
وعندها فقط أعلنت الحكومة اليونانية أن الحكومات التي سبقتها كذبت في خصوص نسبة العجز السنوي وتراكم الدَين العام، ما أدى إلى تفجّر أزمة ديونها في 2010. ولأغراض احتواء تلك الأزمة، ألغى الاتحاد الأوروبي نصف ديون اليونان. وكان ذلك الإلغاء سبباً أساساً لأزمة قبرص التي كانت مصارفها تحمل جزءاً كبيراً من الديون اليونانية.
لا شك في أن الاتحاد الأوروبي يتحمّل الكثير من المسؤولية، ولكن ذلك لا يلغي المسؤولية عن اليونان نفسها.
فاعتمادها المفرط لسنوات على الاقتراض، والإنفاق ببذخ على حاجات استهلاكية، ودفع رواتب وامتيازات عالية لموظّفيها لم يحصل عليها الأوروبيون أنفسهم، أعطى انطباعاً لشركائها الأوروبيين بأنها دخلت الاتحاد For a Free Ride أي لتعيش على نفقة بقية الدول الأعضاء.
وتشير التصريحات الأوروبية باستمرار إلى عدم ثقتهم بالوعود التي يعطيها اليونانيون، ما جعل تسيبراس وأعضاء حزبه يخوضون مفاوضات شاقة يسودها الشك في نوايا اليونان. ودعم الأوروبيون موقفهم بنتائج استطلاعات للرأي في ألمانيا، تظهر عدم استعداد 89 في المئة منهم للاستمرار في دفع فواتير اليونان، وأنهم يؤيدون مفاوضات متشدّدة، وأن الاتحاد الأوروبي سيكون أفضل من دون اليونان.
ويتساءل الأوروبيون: لماذا تمكّنت دول أعضاء مثل إسبانيا والبرتغال وإرلندا وحتى قبرص، من إدخال إصلاحات جدية بعد أزماتها المالية الحديثة، بينما لم تفعل اليونان شيئاً طيلة السنوات الخمس الماضية؟
أظهر كثر في العالم بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، تعاطفاً مع اليونانيين. وأنا شخصياً متعاطفة جداً معهم.
ولكن التعاطف لا يبني دولة ولا يطوِّر اقتصاداً، وإنما العمل الجاد والحثيث للاستفادة من الفرص والإمكانات المتاحة.
ويتحدّث بعضهم عن ضرورة أن يتبنى الاتحاد الأوروبي، وبالذات المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، خطة لإنقاذ اليونان شبيهة بخطة مارشال التي تبنّتها الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لإعمار أوروبا، واستفادت منها ألمانيا بخاصة.
ولكن خطة مارشال لم تكن نتيجة لتعاطف الولايات المتحدة مع أوروبا أو ألمانيا، وإنما لتحقيق أهداف أميركية معروفة. أخيراً، لا حلّ حقيقياً لأزمة اليونان، إلا بالإصلاح الاقتصادي.
نقلا عن الحياة
اما عاد قل قسم.. الحين المشاكل الاقتصادية بحاجة لاصلاح اقتصادي<< هذا منطوق مقالك بختصار اخوي الدعوة مو استنقاص منك و انا اشهد اني استمتعت و انا اقرى المقال لاكن في استطراد كبير عندك ولاكن في مقابل تشبيع الفكرة ضعيف للغاية ولاكن الاهم انك قد اجبت عن عنوان مقالك