شراكة المحيط الهادئ... أين العرب؟

05/07/2015 0
د. عبدالله بن ربيعان

صوّت مجلس الشيوخ الأميركي بالغالبية هذا الأسبوع على منح الرئيس باراك أوباما الصلاحيات لتوقيع اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ»Trans Pacific Partnership، واختصارها TPP.

الصلاحية التي حصل عليها أوباما - وتسمى Fast-Truck Authority - تشكل نصراً لأوباما في نهاية ولايته الثانية، لأنها تحقق أولوياته الاقتصادية المعلنة، ومنها بناء تكتل اقتصادي كبير على جانبي المحيط الهادئ.

ويشمل اتفاق الشراكة على المحيط الهادئ 12 دولة هي أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، الولايات المتحدة الأميركية، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، البيرو، سنغافورة، وفيتنام.

وعلى رغم أن السبب المعلن لاختيار هذه الدول هو وقوعها على جانبي المحيط الهادئ في آسيا وأميركا، إلا أن السبب الحقيقي هو قطع الطريق على الصين ومنعها من الاستحواذ على الجزء الأكبر من التجارة الحرة مع هذه الدول، وهو ما يفقد أميركا أسواقاً حيوية لمنتجاتها.

وهذا ما أعلنه الرئيس أوباما نفسه في لقاء له مع «الوال ستريت جورنال» يوم 27 نيسان (أبريل) الماضي، إذ قال: «إن أي تأخير أو فشل لهذا الاتفاق سيصب في مصلحة الصين»، وكذلك قوله: «إذا لم نكتب نحن القواعد فإن الصين ستكتبها في المنطقة».

وهو ما جعل مجلس الشيوخ يصوت بالغالبية، على رغم تحفظ بعض أعضائه لاعتقادهم بأن الاتفاق سينقل قطاع البزنس الأميركي لهذه الدول، ولن تحقق فوائد كبيرة للاقتصاد الأميركي.

اقتصادياً، وفي حال وقع الاتفاق النهائي، فإنه سيكون أكبر اتفاق تجارة حرة في تاريخ العالم بحجم مستهلكين يزيد على 770 مليون إنسان، وحجم اقتصاد يمثل 40 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم، وتستحوذ تعاملات بلدانه التجارية على ما يربو على ثلث حجم التجارة العالمية.

وإذا ما تم توقيع الاتفاق فعلاً فهو ضربة قوية لطموح التنين الصيني الذي يبحث عن الريادة العالمية من خلال بنك التنمية الجديد، الذي وقعت على إنشائه فعلياً 50 دولة بقيادة الصين، وسعي بكين إلى تجديد الشراكة مع آسيا، وبعض دول أفريقيا وأوروبا من طريق ما يعرف بخطة طريق الحرير الجديد، وغيرهما من المبادرات الأخرى.

بالطبع، وفي خضم الصراع بين الصين وأميركا على قيادة العالم اقتصادياً، وإنشاء تكتل هنا، وتوقيع اتفاق هناك، يبقى العالم العربي والإسلامي هو الغائب الأكبر عن هذه الاتفاقات والتكتلات. ففيما عدا بروناي وماليزيا، فلا وجود لدولة إسلامية في اتفاق التجارة الأكبر على مستوى العالم.

وهذا ما تناوله المستشار القانوني الدكتور سعود العماري في مقالته في صحيفة «اليوم» السعودية في 9 حزيران (يونيو) الماضي.

المقالة التي حملت عنوان: «هل تسعى أميركا لعزل الأمة العربية عن التجارة الدولية؟!»، قال فيها العماري: «على رغم أن الحجة في هذا الاتفاق أنه اتفاق يخص منطقة المحيط الهادئ، إلا أن هذا لا يمنع أن يتبادر إلى ذهن كل عربي ومسلم أن هناك توجهاً واضحاً لاحتكار الأسواق، ما قد يؤدي إلى تبعية الاقتصاد العربي، وجانب كبير من الاقتصاد الإسلامي، لسيطرة الاقتصاد الأميركي، وما يُعزز هذا الشعور أن مفاوضات هذا الاتفاق - التي امتدت على مدى عقد من الزمن، التي حملت الولايات المتحدة الأميركية لواءها، على رغم أنها لم تكن أول من بدأها - جرت في غموض وسرية، ومن دون دعوة أو إشراك أية دولة عربية».

وعرض العماري لبعض الآثار السيئة المتوقعة على العالم العربي والإسلامي جراء بنود هذا الاتفاق، الذي هم عنه غائبون، مثل رفع احتكار الملكية الفكرية لبراءات الاختراع من 20 إلى 25 عاماً، يُضاف إليها 12 عاماً من الملكية الحصرية للمعلومات الخاصة بصناعة الأدوية والمنتجات الطبية.

وهو ما يرفع فترة الاحتكار- والحديث للعماري- في هذه الصناعة الحيوية إلى 37 عاماً، ويؤدي لاستمرار هيمنة الشركات المتخصصة والعاملة في الدول الأعضاء في الاتفاق على الأسواق، ويقلل فرص الحصول على الأدوية والمنتجات الطبية بأسعار معقولة، ويُسهم في رفع أثمانها بصورة مستمرة؛ نتيجة لمنع المنافسة من الشركات الأخرى التي تقدم الأدوية المماثلة بأثمان منخفضة.

ختاماً، وفي خضم ما يشعر به المراقب من تهميش لدولنا العربية والإسلامية، وللتذكير، فقد بدأت فكرة إقامة السوق العربية المشتركة العام 1964، أي قبل 51 عاماً، وأما فكرة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى فظهرت خلال مؤتمر القمة العربية في القاهرة في 1996، أي قبل 19 عاماً، وأما السوق الإسلامية المشتركة فما زالت مبادرات ونداءات حماسية، فمتى يستيقظون ويحاولون اللحاق بركب التقدم والتنمية؟!

نقلا عن الحياة