لماذا لا تُدفع الغرامات من مكافآت أعضاء مجلس الإدارة؟!

07/06/2015 11
عبدالله عبدالعزيز المحمود

نسمع بين الحين والآخر أن هيئة السوق المالية قامت بتغريم ومخالفة إحدى الشركات المدرجة نتيجة عدم تقيدها بمتطلبات الإفصاح، أو لائحة الحوكمة، أو غيرهما من لوائح وقواعد السوق. بغض النظر عن آلية تقدير المخالفة ومدى مناسبتها لحجم الخطأ الذي ارتكبته الشركة، فإن الغرامة تُدفع من أموال الشركة التي هي أموال المساهمين.

والسؤال الذي سأحاول الإجابة عليه هو: هل يمكن تحويل المطالبة لأعضاء مجلس الإدارة باعتبارهم المسؤولين عن هذه المخالفة، أو على أقل تقدير مطالبتهم بالتعويض عما تم تحصيله من الشركة من غرامات؟

أعضاء مجلس الإدارة ممثلون للمساهمين، وأمينون على أموال وحقوق المساهمين؛ مما يوجب عليهم بذل العناية والحرص في أداء مهامهم، بمعرفة ما يجب عليهم فعله مما تُوجبه الأنطمة المختلفة التي تحكم عملهم، وهذا يجب عليهم لتأدية الأمانة التي حملوها على أعناقهم. 

لذا فإن اهمالهم بعدم مراعاة وتطبيق الأنظمة يوجب تضمينهم بما خسرته الشركة من أموال، لتوافر أركان المسؤولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية. تجدر الإشارة هنا إلى أن المادة 75 من نظام الشركات جعلت الشركة ضامنة للأفعال غير المشروعة التي تقع من مجلس الإدارة.

لكن نظام الشركات كان حريصاً على أن يتبع هذه المادة، بالمادة 76 والتي نصت على المسؤولية التضامنية لأعضاء مجلس الإدارة عن تعويض ما وقع من ضرر نتيجة الأخطاء التي تقع بسبب إساءتهم تدبير شؤون الشركة، سواء وقع الضرر على الشركة أو المساهم أو الغير. 

لكن رفع الدعوى في الأضرار التي تقع على الشركة يكون من اختصاص الجمعية العامة التي تقرر رفع الدعوى من عدمها، وتعيين ممثل للشركة لمباشرتها. وبما أن مجلس الإدارة هو المتحكم في جدول أعمال الجمعية، فهو بكل تأكيد لن يضيف بند رفع الدعوى على نفسه إلى جدول الأعمال.

كما أنه لا يوجد في النظام ما يتيح للمساهمين إدراج أي بند على جدول الأعمال، وحقهم محصور في مناقشة الموضوعات المدرجة في الجدول، وتوجيه الأسئلة بشأنها (يستثنى من ذلك المساهمون المالكون لنسبة 5% - فرداً أو مجموعة من المساهمين - فيمكنهم الإضافة).

أما المادة 78 فهي تخص الضرر الخاص الذي يقع على المساهم، وفي حالة قيام المساهم برفع الدعوى فإنه لن يحكم له إلا بقدر ما لحقه من ضرر، ولا أعلم كيف سيقوم القضاء بتقدير الضرر الخاص في حالة المخالفات، وهل سيرفض الدعوى باعتبار أن الضرر لحق الشركة التي هي شخصية مستقلة ولم يلحق المساهم ضرر خاص به؟ أو سيحكم بكامل التعويض؟ أو جزء منه بقدر ملكية المساهم؟! 

بقي خياران آخران، الأول: إن الفقرة (أ/4) من المادة 59 من نظام السوق المالية أجازت للهيئة رفع دعوى أمام لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، إذا تبين للهيئة أن أي شخص قد اشترك في ممارسة أعمال تشكل مخالفة للنظام، وذلك لغرض استصدار حكم على هذا الشخص بتعويض من لحقه ضرر نتيجة المخالفة المرتكبة، لذا فإن الهيئة يمكنها رفع الدعوى في هذه الحالة. 

كما أن الفقرة (ب) من نفس المادة أجازت للهيئة أن تطلب أمام اللجنة إيقاع غرامة مالية على الأشخاص المسؤولين عن مخالفة متعمدة لنظام السوق المالية ولوائحه، إلا أننا لم نسمع أن الهيئة فعلت هذا الأمر وقامت بفرض الغرامة على أعضاء مجلس الإدارة، بل إن الهيئة اتخذت الطريق الأسهل وهو إصدار قرار من مجلس الهيئة بفرض الغرامة على الشركة.

بالرغم من أن عبارات "أي شخص" و "الأشخاص" في المادة 59 يمكن أن تفسر بالشخص الطبيعي أيضاً؛ لذا فإن واجب الهيئة في حماية المتعاملين في الأسواق من الممارسات غير العادلة، يحتم عليها القيام بهذا الدور لا الركون إلى مخالفة الشركة فقط، في الوقت الذي يصعب على المساهمين الرجوع على مجلس الإدارة.

الثاني: وهو مسألة صدور قرار من وزير التجارة بمعاقبة مسؤولي الشركة بموجب نص المادة 229 من نظام الشركات.

وزير التجارة هو المسؤول عن تنفيذ نظام الشركات، ومنها إصدار عقوبات وفقا للمادة 229 وتحديداً الفقرة 8، والتي تعطي الوزير الحق في معاقبة "كل مسؤول في شركة لا يراعي تطبيق القواعد الإلزامية التي تصدر بها الأنظمة أو القرارات." عقوبة السجن مستبعدة في حالات مخالفة الأنظمة التي نتحدث عنها هنا، يتبقى الغرامات التي نصت عليه المادة 229.

فهل تنطبق هذه المادة على حالات عدم تطبيق أنظمة وقرارات الهيئة بسبب تقصير أعضاء المجلس؟ الجواب يعتمد على ما هو المقصود بالأنطمة والقرارات؟ هل هي جميع الأنطمة والقرارات التي تصدر من جميع الجهات الحكومية وتتعلق بالشركات، أو أنها الأنظمة والقرارات التي تصدر من وزارة التجارة فقط؟ 

في هذه الحالات إننا أمام مخالفتين، الأولى: مخالفة للائحة أو نظام محدد صدر عن هيئة السوق المالية، وهذه تستطيع الهيئة أن تحصل على غرامتها من الشركة، لكن يجب عليها أن تُفعل المادة 59/أ وترجع بالمطالبة على أعضاء مجلس الإدارة بالتعويض، أو أن تطالب أعضاء المجلس مباشرة بموجب المادة 59/ب باعتبار أن كلمة "شخص" تشمل الشخص الطبيعي.

والثانية: مخالفة مسؤولي الشركة بعدم مراعاة تطبيق الأنظمة والقرارات ومخالفتها، وهذه مخالفة أخرى في حال أن المخالفة الأولى تم تحصيلها من الشركة، وهي من مسؤوليات وزير التجارة بناء على المادة 229 من نظام الشركات.

وبالتالي فلا يوجد ازدواج في العقوبة عن الفعل الواحد في هذه الحالة. والجميل في الفقرة 8 من المادة 229 أنها نصت صراحة على تحصيل الغرامة من مكافأة أعضاء المجلس، لا من الشركة، فهل ستحذو الهيئة خذو نظام الشركات وتبدأ في تحصيل مخالفاتها من أعضاء المجلس إذا كانوا هم المتسببين.