شهد فبراير الماضي أعلى مستوى في الزيادة السكانية بالأرقام المطلقة، عندما ارتفع العدد الكلي بنحو 217,6 ألف نسمة مقارنة بمستواه في شهر فبراير 2014، وبنسبة زيادة 10,3%، ليصل العدد آنذاك إلى 2,334 مليون نسمة. وفي شهر مارس انخفضت الزيادة إلى 202,6 ألف نسمة، وبنسبة 9,5% عن مارس 2014، لكن العدد الكلي للسكان ارتفع إلى 2,346 مليون نسمة.
ثم انخفضت الزيادة في شهر أبريل إلى 187,3 ألف نسمة عن أبريل 2014، وبنسبة نمو 8,7% ليصل العدد الكلي إلى 2,342 مليون نسمة.
وخلاصة ما تشير إليه هذه الأرقام أن الزيادات الشهرية للسكان-مقاسة بمعدل سنوي- قد وصلت ذروتها في فبراير 2015، وأنها كانت تتناقص في الشهرين التاليين حتى نهاية أبريل، مما أدى إلى حدوث انخفاض في العدد الكلي للسكان بنحو 4 ألاف نسمة.
وهذا الانخفاض شيئ طبيعي ومتوقع، في ظل ظاهرتين متناقضتين تحدثان الآن: الأولى انخفاض أسعار النفط، والثانية استمرار الارتفاع في أسعار الإيجارات.
فمن ناحية،، استقرت أسعار خامات قطر حتى بداية الشهر الحالي حول مستوى 60 دولاراً للبرميل، مقارنة بأكثر من 107 دولار قبل عام، وهذا الانخفاض الكبير قد ترتب عليه تراجع في الإنفاق الاستهلاكي العام والخاص، مع ضبط للإنفاق على المشروعات الرأسمالية.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا الضبط للإنفاق إلى تقليص الاحتياجات من قوة العمل الأجنبية، فتتراجع الزيادات المتتالية في عدد السكان.
ومع تراجع الزيادات السكانية، فإن من الواجب أن يحدث تراخي في الطلب على الوحدات السكنية فتميل أسعارها إلى الاستقرار أو حتى إلى التراجع، إلا أن ذلك شيئ، وما يحدث شيئ آخر، حيث أظهر الرقم القياسي الخاص بالطاقة والإيجارات، ارتفاعاَ في شهر إبريل بنسبة 3% مقارنة بما كان عليه الحال في أبريل 2014.
وهذا الارتفاع يعكس شيئ من التناقض مع اتجاه أسعار النفط إلى الانخفاض من ناحية، والإتجاه لضبط الإنفاق من ناحية ثانية، كما أنه يتناقض مع اتجاه المعدل العام للتضخم إلى التراجع.
فقد انخفض المعدل العام للتضخم في شهر أبريل إلى مستوى 0,9% فقط مقارنة بـ 1,4% في شهر مارس ونحو 1,8% في شهر فبراير، ونحو 2,6% في الربع الأخير من عام 2014.
وانخفاض المعدل العام للتضخم في قطر في الشهور الأخيرة له ما يبرره من حيث ارتفاع سعر صرف الريال، وبسبب تراجع الطلب الاستهلاكي الناتج بالضرورة عن الجهود الرامية لضبط الإنفاق. لكن أن تستمر أسعار الإيجارات في الارتفاع على نحو مخالف لما يجب أن يكون عليه الحال، فإن ذلك مرده إلى عدم إدراك أصحاب العقارات لحقيقة ما يجري من ضغوط، وأن عدم التعامل مع هذه الضغوط بما تستحقه وفي الوقت المناسب، سوف ينعكس سلباً على قطاع العقارات في الزمن الأطول.
ومما لا شك فيه أن الأرباح التي جناها أصحاب العقارات على مدى الأعوام القليلة الماضية من جراء الارتفاع الكبير في أسعارها ومستويات الإيجارات،، قد ساعدتهم على تحمل تراجع الطلب، والتمسك بأسعار مرتفعة لوقت أطول نسبياً.. ولكن ذلك لا يُعد ظاهرة صحية لأنه إما أن يضغط على المستأجرين للقبول بما لم يكن مقبولاً قبل سنوات؛ كسكنى عدة عائلات في بيت واحد-وهو مخالف للقوانين-أو أن ذلك قد يدفع إلى هجرة معاكسة خارج البلاد، وهو ما تأخر حدوثه بسبب الأوضاع السياسية المضطربة في دول الربيع العربي، والتي أدت إلى احتفاظ المقيمين بإقاماتهم في البلاد حتى لو انتهت أعمالهم في قطر.
ولكن هذا الأمر لن يطول كثيراَ إذا ما ظلت معدلات الإيجارات غير منطقية ولا تتناسب مع مستويات الرواتب والأجور.
على أن هناك شيئ آخر بات يحدث كثيرا هذه الأيام، وهو أن بعض رجال الأعمال في قطر قد نقلوا بعض أنشطتهم الحالية أو الجديدة منها إلى خارج البلاد بحثاً عن ظروف عمل أكثر استقراراً وأكثر ربحية... فقد تبين أن ارتفاع تكلفة العمالة المستوردة إلى قطر، وما تتطلبه من سكن ومعيشة باهظة التكلفة، إضافة إلى المعوقات االلوجيستية والإدارية التي تواجههم أصلاً في الحصول على متطلبات أعمالهم كالمخازن، والأراضي، وتراخيص العمالة وغيرها، قد أجبر هؤلاء على نقل بعض الأنشطة إلى بلدان أخرى كالهند مثلا، أو إلى بعض دول الجوار.
وهذا التطور ستكون له انعكاسات سلبية على نمو أعمال القطاع الخاص التي يتم التعويل عليها حاليا في مواجهة تراجع النمو في قطاع النفط والغاز.