النموذج الكلي للاقتصاد القطري وأهميته

10/05/2015 0
بشير يوسف الكحلوت

بيني وبين النماذج القياسية الكلية علاقة ود قديمة منذ أن اخترت هذا الموضوع للدراسات العليا قبل 30 عاما، وتحديداً عندما اقترحت رسالة بعنوان "نموذج قياسي للاقتصاد القطري".

ولم تكن البيانات المتاحة يومها بالعمق الكافي، كما أن العلاقات التشابكية بين المتغيرات الاقتصادية  القطرية كانت بسيطة وغير معقدة، ولهذا لم يُكتب للنموذج أن يصل إلى نهايته المرجوة.

وعندما طرحت وزارة الاقتصاد والتجارة يوم الثلاثاء الماضي نموذجها الكلي ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي الذي رعاه وافتتحه معالي رئيس مجلس الوزراء، فإنني وجدت الفرصة سانحة لاستخدم معلوماتي القديمة في تبسيط الموضوع للقراء.

فما هو نموذج الاقتصاد الكلي الذي تم تدشينه وما أهميته واستخداماته العملية؟ وما هي الصورة التي رسمها التقرير للاقتصاد القطري؟

يمكن القول إن "نموذج الاقتصاد الكلي" هو إطار تحليلي متكامل، يدرس العلاقات الرياضية التي تربط بين مختلف مكونات الاقتصاد، وبالمتغيرات الخارجية، ويبني عليها، لتكوين صورة عن الاتجاهات المستقبلية المتوقعة للاقتصاد الوطني، بمختلف قطاعاته ومؤشراته.

وعلى سبيل المثال، يدرس النموذج العلاقات القائمة بين سوق العمل، وقطاع الطاقة، والتجارة الخارجية والسياسات المالية والنقدية والتنموية للدولة، وكذلك القطاع العائلي، ليتعرف على كيفية تأثرها ببعضها البعض، واتجاهات تأثيرها على النمو الاقتصادي. 

ويشكل نموذج الاقتصاد الكلي الذي أعدته وزارة الاقتصاد والتجارة مع جهات حكومية أخرى من بينها بطبيعة الحال وازارة التخطيط التنموي،، النسخة واللبنة الأولى التي من خلالها سيتم تطوير مجموعة متكاملة من الأطر والنماذج التحليلية اللازمة لتشخيص التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، وتحديد الفرص المتاحة لتنميته، بما يدعم عملية رسم السياسات، واتخاذ القرارات.

ويساعد النموذج الكلي المعنيين بالشأن الاقتصادي في القطاعين العام والخاص على التعرف على الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد بمختلف مكوناتها، كما يمكّنهم من التعرف على أثر السياسات والبرامج المقترح تنفيذها في المستقبل، لاسيما معدلات النمو الاقتصادي، والتشغيل، والتضخم والبطالة، وغيرها. وتوفر التقارير التي سوف تصدر عن النموذج دوريا معلومات هامة، تساعد المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، في توجيه استثماراتهم ومشاريعهم على نحو يتوافق مع الاتجاهات المحتملة للاقتصاد.

فعلى سبيل المثال، يقدم النموذج تصورات حول العدد المتوقع للسكان على مدار السنوات الخمس عشر القادمة، وهذا بدوره يعطي للمهتمين والمستثمرين بالقطاع العقاري صورة عن الوحدات السكنية التي يتطلب تطويرها لاستيعاب النمو السكاني المتوقع.

ويتعرف صغار المستثمرين على احتياجات قطر من المشاريع الصغيرة التي تعد ضمن الأنشطة المساندة لتطور ونمو المشاريع الرئيسية. كما تساهم المعلومات التي يوفرها النموذج في إعطاء المستثمرين صورة أولية عن الاتجاهات المستقبلية بما يساعد في الحكم على الاوضاع المالية المتوقعة للشركات المدرجة في البورصة، لا سيما من حيث أدائها الاستثماري ومستويات ربحيتها المتوقعة في المستقبل. 

كما يوفر المشروع معلومات هامة حول الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد القطري، وهذه المعلومات تساعد المواطن، سواء كان مستثمراً، أو عاملاً أو طالباً على التخطيط بشكل سليم للمستقبل، ومن ذلك أن النموذج يطرح تصورات واضحة حول النمو المتوقع في مختلف القطاعات الاقتصادية ومتطلباتها من العمالة والمهارات المختلفة، بما يساعد الطلبة على اختيار التخصصات التي تتوافق مع المتطلبات المستقبلية لهذه القطاعات. 

ولأننا لا زلنا في المرحلة الأولى من بناء النموذج الكلي ولا زال التفاعل معه في بداياته الأولى، فإن التقرير الصادر عن المنتدى هذا العام قد أعطى أربع سيناريوهات محتملة بشأن الاتجاهات المستقبلية المتوقعة للاقتصاد القطري، تحاكي كل منها مدى تأثر الاقتصاد القطري بالاتجاهات المحتملة لأسعار النفط والغاز العالمية، ونمو الاقتصاد العالمي، (صعودا وهبوطا) وذلك في ضوء افتراضين رئيسيين، الأول يعكس تقدماً ملحوظاً على صعيد التنويع الاقتصادي في قطر، وتحسناً ملحوظاً على صعيد البيئة التنافسية، وتنفيذ إصلاحات فاعلية لتنمية الأنشطة الصناعية، والاعتماد بشكل أكبر على القطاعات الإنتاجية عالية المهارة والقيمة المضافة المرتفعة.

أما الافتراض الثاني: فيعكس إنجازات محدودة على صعيد التنويع الاقتصادي وعدم القدرة على تحسين البيئة التنافسية ومحدودية السياسات والبرامج الاقتصادية الإصلاحية.

والحديث عن الموضوع يطول ولا ينتهي...والتساؤلات التي يطرحها كثيرة عن مدى توافر كل البيانات لبناء النموذج الكلي، حتى تكون معلماته معبرة، وتنبؤاته سليمة.

وهناك تحديات وإشكاليات قد تصنعها الظروف الخاصة للاقتصاد القطري، من قبيل ربط سعر صرف الريال بالدولار، وربط السياسة النقدية القطرية بمخرجات السياسة النقدية الأمريكية، ووجود خلل مزمن في سوق العمل، واعتماد القطاع الخاص على الإنفاق العام، والإعتماد المفرط على الواردات في  سد الاحتياجات المحلية، وعدم تأثير الانفاق الاستهلاكي المحلي على نمو الناتج المحلي كما في الولايات المتحدة، التي يمثل  فيها الاستهلاك المحلي 66%  من الناتج المحلي.