النفط والحرب: عاصفة الحزم وعودة الاستقرار

30/03/2015 1
د.عبد الوهاب أبو داهش

ارتفعت أسعار النفط بنسبة تجاوزت 5% في اليوم الذي أعلنت فيه عاصفة الحزم لتطهير اليمن من الحوثيين المعتدين على الشرعية اليمنية، وكانت المخاوف أن تتطور الحرب لتشمل المنافذ البحرية الهامة (مضيق باب المندب ومضيق هرمز) وهي التي يمر معها أكثر من ربع إنتاج النفط العالمي والتي تزوده دول الخليج المشاركة في عملية الحزم بقيادة المملكة.

إلا أنه لم يمر يومان من عمليات عاصفة الحزم حتى عادت أسعار النفط للانخفاض بنفس النسبة في ردة فعل مهمة للسيطرة السعودية مع حصولها على تضامن ودعم عالمي مهم في تحركاتها ضد الاعتداءات الحوثية على الشرعية اليمنية واختراقها المتكرر للحدود السعودية كل ما حان لها وقت مناسب.

وكنت قد قلت لوكالة الأنباء الفرنسية عشية ارتفاع أسعار النفط إن الارتفاع مؤقت وإن سعره العادل هذه الأيام (الربع الأول) يجب أن يكون في الستينات عطفاً على عوامل العرض والطلب الموسمية، لذا فإن الارتفاعات الحاصلة في أسواق النفط هي مجرد ردة فعل مضاربين انتهت سريعاً.

التاريخ يخبرنا أيضا أن أسعار النفط تتفاعل مع عوامل السوق بوتيرة أفضل من مجرد أحداث وقتية، أو حروب تشهدها المنطقة المعروفة بأنها منطقة حروب لسنوات طويلة، ففي بداية الثمانينات ورغم ارتفاع أسعار النفط بصورة تجاوزت 40 دولاراً، فإنها سرعان ماعدت إلى التراجع السريع رغم الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت طوال العقد نفسه تقريبا، وفي بداية التسعينات عادت للارتفاع بقوة جراء غزو صدام للكويت لكنها لم تطل حتى عادت للتراجع لأدنى من 10 دولارات للبرميل في نهاية العقد.

وحتى الصعود الذي ظهر في أسعار النفط ابتداء من سنة 2001 ليتجاوز عشرين دولاراً للبرميل ثم في 2002 ليتجاوز 25 دورلاراً للبرميل، فإنه كان نتيجة عوامل عرض وطلب وتغير في سياسة أوبك التسعيرية التي تبنت النطاق السعري في تحديد حصص الإنتاج أكثر من مجرد الإطاحة بصدام حسين في 2003، والتي شهدت بعدها أسعار النفط مزيداً من الارتفاعات، ليس بسبب الإطاحة بصدام، ولكن السبب الرئيس هو انقطاع الصادرات العراقية لفترة طويلة متزامناً مع عودة النمو بقوة لاقتصادات الخليج والعالم بعد التخلص من دكتاتور هدد استقرار المنطقة لسنوات طويلة.

بعد ذلك شهدت أسعار النفط ارتفاعات متواصلة لتسجل نحو 150 دولاراً للبرميل في يوليو 2008 نتجية عوامل الطلب القوي مع انحسار العرض جراء القدرة الإنتاجية لمعظم الدول المنتجة للنفط ماعدا السعودية التي استطاعت رفع طاقتها الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل في اليوم في سنوات قصيرة، وقد عادت أسعار النفط للانخفاض والتذبذب جرءا الأزمات المالية العالمية والركود الاقتصادي التي أصابت معظم الدول المتقدمة والتي مازالت قائمة حتى الآن.

إن الدروس المستفادة من هذا الاستعراض السريع يكمن في أن النفط يتفاعل مع عوامل العرض والطلب وتوقعات الإنتاج المستقبلية أكثر من أية عوامل أخرى، فالدول التي تقع على المضيقين (باب المندب وهرمز) هي أكبر دول منتجة ومصدرة للنفط في العالم، ورغم حدوث كل تلك الحروب من السبعينات، وحى الآن لم يغلق أي من المضايق أو القنوات المائية لعدة أسباب وهي أن دول المنطقة، وتقودها السعودية تشعر أن إمدادات النفط مهمة جدا لاستقرار الاقتصاد العالمي كمصدر مهم للطاقة، وأن أي انقطاع في الإمدادات قد يؤثر على الاقتصاد والسلم العالمي على حد سواء.

والسبب الثاني أن إيران لن تجرؤ على غلق أي من تلك المضائق لأنها تعرف قدراتها السياسية والعسكرية التي هي أضعف من أن تقوم بهذه المهمة، فهي هزمت شر هزيمة في حرب المواجهة العراقية الإيرانية رغم ضغف القوة العسكرية العراقية في بداية المواجهة بينهما، وهي من الجبن بحيث أنها لا تحارب إلا عن طريق أذنابها ووكلائها في المنطقة مثل الحوثيين وحزب الله.

والحرب بالوكالة هذه يجب أن تنتهي لتنتهي مشاكل العرب ومشاكل الشرق الأوسط إن أراد العالم السلم والاستقرارا لمنطقة الشرق الأوسط، حيث أثبتت سياسة المملكة أن القضاء على الحركات الإرهابية والجماعات الخارجة عن الشرعية والتي تدعمها قوى خارجية مثل إيران هي معول هدم وأساس عدم استقرار المنطقة.

وأن استقرار المنطقة رهين بالقضاء على تلك الجماعات وعلى مصادر الدول الداعمة لها، وعاصفة الحزم هي البداية للقضاء على تلك الجماعات التي آمل أن تستمر وبتعاون دولي للقضاء على تلك الجماعات حتى يعود الاستقرار والأمن لدول المنطقة والعالم أجمع.


نقلا عن الرياض