منذ بدأت عوائد المملكة النفطية قبل نحو ثماني سنوات بتحقيق ارتفاعات قياسية، نتج عنها احتياطات ضخمة للدول، كان من المؤمل تحديد هدف استراتيجي لكي تسهم هذه الاحتياطات بشكل أكثر فاعلية، في حماية الاقتصاد الوطني مستقبلا من تذبذبات سعر النفط.
وسبق لي تكرار ذلك مرارا، مع الإشارة إلى هذا الهدف يمكن أن يكون مثلا:
تمويل 60% من ميزانية المملكة على الأقل من خلال عوائد استثمارات الدولة، والتي تشمل موجودات مؤسسة النقد والاستثمارات الحكومية في الشركات وموجودات صناديق الإقراض الحكومية وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة والذي من المؤمل أن يلعب دورا أكبر، بعد منحه صلاحيات أشمل، لتبني مبادرات تفوق عشرات المرات كماً وكيفاً ما يقوم به حاليا.
إذ أن العوائد الحالية من الودائع البنكية والسندات هي عوائد منخفضة، بينما يمكن استثمار نسبة منها (وليس كلها بطبيعة الحال) في استثمارات طويلة الأجل، في جميع مناطق المملكة، وفي القطاعات الواعدة، لتحقيق عوائد ربحية أعلى للدولة، وفي ذات الوقت كي تسهم استثمارات الدولة في تنمية بعض القطاعات والمناطق التي يعزف عنها المستثمرون، عبر قيادة الصندوق لهذا الحراك الاستثماري، ومبادرته بإنشاء عدة شركات شبه حكومية مساهمة جديدة، كما يمكن دخول صندوق الاستثمارات العامة كصانع لسوق الأسهم المحلية لحمايته من الانهيارات التي تمثل أبرز السلبيات المصاحبة لانخفاضات أسعار النفط، من حيث تأثيرها المباشر على المواطن.
ومتى ماتم تبني مثل الهدف الوطني الاستراتيجي المشار له أعلاه، وتحقيقه فإن الاقتصاد السعودي سوف يصبح عمليا اقتصادا متينا ومتنوعا، لا يتأثر كثيرا بتذبذب أسعار النفط، مما يطمئن الشركات والمواطنين على مستقبل بلادهم اقتصاديا، وسوف يكون لدى الدولة قدرة أكبر على التخطيط للمستقبل بصورة أفضل.
* في السابق تعثر التفكير أساسا في إمكانية تحقيق هذا الهدف، لعدة أسباب، قد يكون أحدها تشعب المهام والأعباء المنوطة بوزارة المالية، لذلك فإنني اليوم أعيد طرح هذا الهدف بآمال أكبر في السعي نحو تحقيقه بشكل شامل وسريع، مع قرار مجلس الوزراء الموقر إعادة ترتيب الأجهزة التي تشرف عليها وزارة المالية، أو ترتبط بها تنظيمياً بحيث يكون ارتباط كل جهاز منها بالجهة التي تتماثل اختصاصاتها مع النشاط الذي يباشره أو الغايات التي يسعى إلى تحقيقها، وأهم هذه الأجهزة من وجهة نظري، هو صندوق الاستثمارات العامة، الذي متى ما أدير باحترافية، وبحس المبادرة، مع منحه صلاحيات أكبر في ظل إطار صارم من الحوكمة الفاعلة، فإنه سيكون المؤثر الأكبر في مستقبلنا الاقتصادي، وفك ارتباطه التاريخي المزعج شبه المطلق بالنفط، بما يحقق طموحات القيادة والمواطن بحول الله.
نقلا عن الرياض