قبل أكثر من أسبوعين أصدر معالي وزير الصحة قراراً بتشكيل فِرق عمل، ترتبط بالوزير مباشرة، مهمتها تقييم وضع المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للوزارة من ناحية الجودة من مختلف الاتجاهات.
فالفِرق ستضم متخصصين بالمجال الطبي ومهندسين لتقييم حالة المنشآت، وكذلك متخصصون بالموارد البشرية. وستتواصل هذه الفرق مع المستفيدين من الخدمات لمعرفة ملاحظاتهم، وتقييم الخدمة المقدَّمة لهم.
ومن الواضح أن هذا التوجُّه يأتي للوصول لتقييم دقيق عن حالة الخدمة الصحية بالمناطق كافة. فرغم وجود إدارات تقع ضمن الهيكل التنظيمي للوزارة، تختص بالرقابة والجودة، إلا أن الشكاوى كثيرة على الخدمات الصحية، وما تنقله وسائل الإعلام من أخطاء طبية، وتأخر بتقديم الخدمة لأسباب عديدة، بخلاف الملاحظات على بعض المباني بترهلها، وكذلك النظافة العامة فيها، يوضح أن تشكيل هذه الفِرق هو لتحقيق تقييم واقعي، وقفز فوق كل الأساليب التقليدية المتبعة بمعرفة مستوى الخدمة، بل إن اختيار أسماء العاملين بهذه الفِرق سيتم بطريقة أشبه بالسرية، وحتى توزيعهم على المناطق وطرق عملهم يؤكد أن أساليب الرقابة والتقييم السابقة ليست بمستوى يعتمد عليه، وأن الاتجاه هو للوصول للمعلومات التي توضح الحقائق التي يمكن أن يتم بموجبها وضع المعالجات التي تكفل رفع مستوى الخدمات، ومعالجة القصور فيها.
لكن ستبقى أدوار هذه الفرق التفتيشية محدودة بالتأثير على المديَيْن المتوسط والبعيد، فكم جولة يمكن أن تقوم بها، وهل هي مجرد مرحلة مؤقتة لعملهم، تنتهي بتقييم الواقع الحالي، ومعالجته، والتأكد من تطبيق الإجراءات المتخذة لمعالجة القصور؟ فإذا كان عملهم مؤقتاً فهذا يعني أن القصور بالخدمة سيعود بعد عام أو عامين من جديد؛ لأن الطلب على الخدمات الصحية مستمر وينمو، وإذا ما ضعفت الرقابة فالترهل سيعود من جديد.
فحتى يتم الحفاظ على مستوى جودة عالي التقييم، ومطابق للمعايير العالمية، لا بد أن يكون أسلوب الرقابة على الجودة أيضاً مختلفاً عما هو متبع حالياً.
فمن الأجدى إنشاء جهاز مستقل للرقابة والجودة بمعايير دولية، يرتبط بوزير الصحة، وليكن باسم «المؤسسة العامة للرقابة والجودة الصحية»، ولها كادر وظيفي خاص، ويديرها متخصص بمجال الرقابة والجودة الصحية، وتضم إدارات متخصصة بكل جانب من طبيعة عمل المنشآت الصحية، وتضع هذه المؤسسة المعايير للخدمات الصحية، وتشرف على تطبيقها، وتراقب عمل المنشآت فيما يخصها، وتصدر عقوبات، وتقدم الملاحظات، وتساعد المنشآت لتحسين وضع خدماتها، بل إن مسؤوليتها تتوسع لتشمل منشآت القطاع الخاص، وتمارس الدور نفسه المنوط بها عليها، وتقوم بنشاطات تدريبية وتوعوية وإرشادية للمعنيين بالخدمات الصحية، وحتى بالمستفيدين منها، من خلال برامج توعوية عن نوعية الملاحظات التي يجب أن ينتبه لها المستفيد من الخدمة، وتحويل تلقي الشكاوى من المستفيدين لهذا الجهاز للتعامل معها.
الارتقاء بالخدمات الصحية هدف معلن من كل الأطراف المعنية بتقديم الخدمة، وإذا كان بناء المرافق الصحية وتشغيلها جزءاً من التوسع والتقدم بالخدمات إلا أن الجودة والرقابة يعدان من أهم الأعمال للارتقاء بالخدمة، ومنع تغلغل القصور لها؛ ما يتطلب أن يكون لهذين العملين جهاز مستقل بمواصفات عالمية، وبإمكانيات وصلاحيات كبيرة؛ ليتمكن من تنفيذ مهامه.
فبقدر ما سيعطَى من إمكانيات سيكون هناك خدمات راقية، ومهما بلغ الإنفاق عليه سيظل أقل بكثير من الخسائر التي يتسبب بها القصور بالخدمة.
فعشرات المليارات التي أُنفقت وتُنفق لإنشاء وتشغيل المرافق الصحية سنوياً لا بد من تعظيم العائد منها برفع مستوى الصحة العامة بالمجتمع؛ كي يتحقق مبدأ كفاءة الإنفاق العالية المنشودة، ويضمن كل مستفيد مستوى خدمة مرتفع الجودة.
نقلا عن الجزيرة