هل المراجعة الداخلية أداة للرقابة؟

16/02/2025 0
د. محمد آل عباس

هناك من سيجيب بنعم عن هذا السؤال، فالمراجعة الداخلية تعمل لتحقيق هدف الرقابة في المنشآت، وهناك من سيذهب بعيدا للمناقشة والقول إن المراجعة الداخلية ليست أداة للرقابة، لكنها أداة تأكيد سلامة نظام الرقابة الداخلية، المشكلة عندي في أن السؤال خطأ ابتداء، ومنشأ الخطأ هو كلمة الرقابة نفسها التي تسببت في إرباك كل من يدخل مجال المراجعة الداخلية أو من يقع تحت مجالها من الإدارات والموظفين. مع الأسف نحن في العربية نترجم كلمة Control بمعنى الرقابة، ولا أعرف كيف تسربت الترجمة إلى الثقافة الإدارية العربية، بل تغلغلت في التفكير الإداري العربي بشكل يصعب معه اليوم مجادلة هذا المفهوم، لكن المعنى الإنجليزي لوظيفة (Control) لا يتضمن (لا من قريب ولا من بعيد) المعنى الذي تحمله كلمة "الرقابة" في العقل العربي.

فالرقابة في العربية قد تتضمن معاني كثيرة جدا تتجاوز المقصود تماما من الوظيفة الإدارية المعروفة، الرقابة في العربية قد تتضمن معاني النظر خلسة، والتجسس، والترقب، والترصد، والرصد، وغيرها من المعاني التي تجعل الأفراد في المنظمات في قلق دائم من هذه الوظيفة ومن يقوم بها، والحقيقة أن المعنى المقصود لوظيفة الـ control، يعني ببساطة وجود ضوابط للعمل يتم تحديدها والاتفاق عليها أو تعديلها بين الأطراف المختلفة لهدف محدد من هذه الضوابط، هو السيطرة على المخاطر التي تهدد تحقيق الأهداف بشتى أشكالها، فليس من بين هذه الضوابط ولا فيها ما يتضمن الترصد واختلاس النظر والتجسس والترقب، بل هي إجراءات محددة يتم تنفيذها في وقت محدد. وضمن أدوات الضبط هذه التقارير التي تحقق مفاهيم المتابعة، وهي تقارير يتم رفعها لتقييم مدى الجدية في تطبيق الإجراءات ومدى ملاءمة الإجراءات للخطر الذي تتعامل معه.

فالمراجعة الداخلية تجد تعريفها بوضوح الآن في التأكد من تنفيذ الإجراءات المتفق عليها، ومدى ملاءمتها لمعالجة المخاطر. فليست من الرقابة في شيء وليست الرقابة منها في شيء، وليس للمراجعة الداخلية الاطلاع على الوثائق السرية وأسرار الموظفين ولا معرفة المحاضر السرية إلا بقدر ما يكون ذلك ضروريا للتأكد من أن الإجراء والضابط الذي يتعامل مع الخطر المعين قد تم تطبيقه وأنه مناسب وكاف، ما يحدث أحيانا في ميدان العمل هو أحد 3 أمور، إما أن الجهة لا تعرف المخاطر التي تحيط بالأهداف، فلم تطور إجراءات كافية، وهنا مشكلة حوكمة، أو أن الإجراءات كافية لكن المدير المكلف بالخطر لم يقم بتفعيلها، وهنا مشكلة التزام، أو أن الإدارة العليا لا تعرف ما يواجه المديرين من تحديات تتطلب موارد إضافية أو قرارات عليا وهنا مشكلة تقرير. المراجعة الداخلية تعمل على تحديد المشكلة بالضبط ولماذا تتعرض الجهة للخطر وحجم ذلك التعرض، فهي إما في حوكمتها وآليات اتخاذ القرارات، أو في التزام الموظفين بالإجراءات، أو في التقارير.

وهكذا هي المسألة، ليس لها علاقة بالرقابة بأي شكل (وفقا للمفهوم العربي للرقابة)، وقد أوردت مثالا لمعنى المراجعة الصحيح في العقل العربي، عندما أوردت مثالا لها في عهد الخليفة المنصور، في مقال (الحوكمة في عهد أبي جعفر المنصور)، فقد ورد في أحد المراجع أن أحد الولاة قام بارتكاب أعمال تخالف أوامر الخليفة المنصور، فقام موظف ديوان البريد وناقشه فيها، وطلب الوالي من موظف البريد عدم إرسالها إلى الخليفة، لكنه رفض ذلك، وهذا جوهر عمل المراجعين وجودته، وهو أن يكون المراجع الداخلي مدركا لعمله واستقلاله الأدبي ومسؤوليته الأخلاقية، وأن يعبر عن رأيه في حرية بعد تأمل ناضج في الضوابط والإجراءات التي تتطلبها المخاطر التي تحيط بأهداف الجهة، ومدى التزام الموظفين بتنفيذ تلك الضوابط.

فالمراجعة على هذا تتضمن بعدا أخلاقيا يلزم المراجع نفسه به، وهذا البعد الأخلاقي هو مناط عمل المراجعين، والقدرة على اكتشاف المخاطر وتقييم الإجراءات الضابطة لها، ومن ثم التقرير عنها بكل حرية، هو فن الممكن الذي يعمل في ظله المراجعون.

 

 

نقلا عن الاقتصادية