تشهد معظم دول العالم هذه الايام إنخفاضا ملحوظا في معدلات التضخم، بسبب إنخفاض تكاليف الإنتاج نتيجة لإنخفاض أسعار البترول عالميا، مما شجع الدول على زيادة الإنتاج والتصدير وهذا الأمر إنعكس على معدلات التضخم بشكل مباشر وسريع.
ولكن ليس دائما إنخفاض التضخم بالشئ الجيد، هناك حد مستهدف للتضخم بالنسبة للدول ذات الإقتصاد المستقر لا يتجاوز ال2% وهذه النسبة إنخفضت في بعض الدول لتصل الي 0.6% وتحديدا في منطقة اليورو، وهذا الإنخفاض قد يكون كارثي في حالة استمراره، وإعلان البنك المركزي الأوربي إنفاذ سياسة التيسير الكمي (التسهيل المالي) - وهي ضخ أموالا إضافية الى السوق لرفع معدلات التضخم الى المستوى المستهدف - قد يكون هو الحل، ولكن لهذه السياسة أضرارا قد تؤدي لخروج المستثمرين من السوق الأوربي والبحث عن اسواق جديدة وآمنة للإستثمار كالسوق الخليجي الذي يشجع الاستثمارات الاجنبية.
وعلى الرغم من إنخفاض اسعار النفط ايضا شهد التضخم انخفاضا ملحوظا في معظم الدول المصدرة للنفط، وهذا يقودنا الى التركيز على العوامل التي تؤثر مباشرة على معدلات التضخم بشكل عام وهي (الإرتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار- زيادة الدخول النقدية للأفراد والشركات – إرتفاع تكاليف الإنتاج- الإفراط في خلق الأرصدة المالية) ويقول علماء الإقتصاد ان التضخم هو الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، وله درجات، التضخم المنخفض، وهو المستوى الذي تحاول الحكومات الحفاظ عليه، وتتبنى البنوك المركزية هذا النوع من التضخم ويعرف ب(التضخم المستهدف) ولا تتجاوز نسبته ال2% وهناك التضخم المعتدل، والتضخم المرتفع، والأخير له تأثيرا سلبيا على مستويات النمو والدخل، والتضخم الجامح هو أكثر انواع التضخم خطورة حيث تصل الاسعار الى مستويات فلكية وتتوقف عجلة الإقتصاد ويتعطل النمو وتتراجع مستويات المعيشة بشكل خطير.
وهناك إرتباطا وثيقا بين إنخفاض مستويات التضخم في الدول الصناعية الكبرى الى المستوى دون المطلوب وبين معدلات النمو التي تشهدها الدول المصدرة للنفط، والرابط الوثيق هو اسعار النفط وإرتباطها بالدولار، وإستمرار إنخفاض اسعار النفط ايضا ليس بالشئ الإيجابي للدول المستوردة للنفط، فعندما تصل هذه الدول الى مرحلة التشبع وكفاية في المخزون، ينعكس الأمر سلبا على الإقتصاد ويحدث ركود إقتصادي، وإنخفاض تكاليف الإنتاج يحفز الشركات على زيادة الإنتاج فبالتالي يزيد المعروض من السلع ويقل الطلب وهذا قد يقود الى حدوث إنكماش إقتصادي، وهذا يتطلب معالجات سريعة من البنوك المركزية واتباع سياسات نقدية لرفع مستويات التضخم، وهذا هو الوضع الذي تعيشه منطقة اليورو اليوم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستنجح الدول المصدرة للنفط في استغلال الوضع الحالي، وزيادة فرص النمو في بلدانها ؟ خاصة دول منطقة الخليج العربي، مع ملاحظة وجود نموا نسبيا وارتفاعا في مستويات المعيشة في بلدانها، رغم تدني الإيرادات بسبب إنخفاض اسعار النفط، وهل سيولد هذا الوضع دافعا حقيقيا للتنويع في مصادر الإيرادات مستقبلا وبناء إقتصاديات لا ترتبط إرتباطا مباشرا بالنفط ؟
الغريب, لماذا تسكت أمريكا على عملية ارتفاع قيمة الدولار الجنونية إذا كانت تريد الحفاظ على معدلات التضخم الحالية أو دفعها للأمام و التي تأتي في المرتبة الثانية لجهة اهتمام البنك الفيدرالي للحفاظ على معدل البطالة عند زخمة الحالي و كذلك التضخم !؟