دروس مهمة من تجربة إصلاح نظام دعم الطاقة

10/03/2015 2
د. عبدالرحمن محمد السلطان

رغم أن هناك تجارب عديدة على مستوى العالم في إصلاح نظام دعم الطاقة إلا أن هناك غيابا شبه تام لبرامج الإصلاح في الدول المصدرة للنفط والمحاولة الوحيدة التي يمكن الإشارة إليها في هذا السبيل هي التجربة الإيرانية. وهي مثال جيد بالنسبة لنا في المملكة لسببين.

الأول: أنها كالمملكة دولة معتمدة على صادراتها من النفط وتدعم المشتقات النفطية وغيرها من مصادر الطاقة بشكل كبير جداً جعل أسعارها محليا من بين الأقل على مستوى العالم نتج عنه بالضرورة نمو كبير في حجم الاستهلاك المحلي لمصادر الطاقة بصورة غير قابلة للاستدامة.

والثاني: أنه، وكما هو حالنا أيضا، فإن هناك شريحة واسعة في المجتمع مستوى معيشتها يجعلها عرضة للتضرر بشكل كبير من أي ارتفاع حاد في أسعار الطاقة وبحاجة للحماية من أي تأثير سلبي لإصلاح دعم الطاقة على مستويات دخولها ووضعها المعيشي.

وقبل اتخاذ إيران خطوة إصلاح دعم الطاقة من خلال رفع الأسعار أطلقت عدداً من المبادرات الهادفة لتخفيض حجم الاستهلاك المحلي من الطاقة، بما في ذلك تخصيص كمية محددة من المشتقات البترولية لكل فرد تباع له بسعر منخفض وما زاد عنها يلزم شراؤه بسعر أعلى كثيراً، إلا أن كل تلك المبادرات لم تفلح في تحقيق أهدافها، ما أوجد قناعة لدى الحكومة الإيرانية بضرورة إجراء إصلاح شامل لنظام دعم الطاقة.

ويتمثل الإصلاح الذي تم الإعداد له بشكل جيد ومستفيض تحوير دعم الطاقة إلى دعم مستهلكي الطاقة من خلال إجراء رفع كبير في أسعار السلع المدعومة بشكل كبير، والتي تشمل المشتقات النفطية والغاز الطبيعي والكهرباء بالإضافة إلى الخبز، ومقابل ذلك يصرف مبلغ نقدي شهري للمستهلكين يستهدف تعويضهم عن الضرر الذي يلحق بهم جراء ذلك.

وكانت الخطة الأصلية تقتضي منح معونة نقدية للفئات متدنية الدخل فقط، إلا أن الصعوبة التي وجدتها الحكومة في تحديد هذه الفئة وكذلك رغبة الحكومة في إيجاد دعم شعبي أوسع لبرنامج الإصلاح، جعلها تقرر صرف التعويض النقدي لجميع المواطنين باستثناء الميسورين الذين شجعوا على عدم التقدم بطلب الحصول عليه.

والتحويل النقدي عبارة عن مبلغ شهري يستحق بحسب عدد أفراد الأسرة يودع في حسابات بنكية فتحت لهذا الغرض يمول بالكامل من الدخل الإضافي الذي تجنيه الدولة من رفع أسعار السلع المدعومة، بحيث يصرف 50 % من هذا الدخل الإضافي كتحويل نقدي للمستهلكين الأفراد، و30 % منه يصرف لمنشآت وفق آلية استحقاق تستهدف دعم جهودها لرفع كفاءة استهلاكها للطاقة، و20 % من الدخل يصرف للأجهزة الحكومية لدعم ميزانياتها لكي تواجه زيادة تكلفة الطاقة.

ولتعطي الحكومة مصداقية أكبر لعملية الإصلاح فُتحت حسابات بنكية للمستحقين أُودعت فيها مبالغ الدعم لأول شهرين قبل إقرار رفع الوقود بثلاثة أشهر تقريباً، مع تزويد كل مستحق ببطاقة صراف آلي لكن دون السماح لهم بسحب تلك المبالغ من حساباتهم وربطت قدرتهم على السحب بالبدء الفعلي لتطبيق قرار رفع أسعار الوقود. لذا فقد كان معظم أفراد المجتمع ينتظرون بفارغ الصبر بدء تطبيق رفع الأسعار لكي يتمكنوا من سحب هذه المبالغ، ما أنهى أي معارضة لعملية الإصلاح وسهل قرار تطبيق المرحلة الأولى من رفع الأسعار على الحكومة بشكل كبير والذي تم اتخاذه في ديسمبر 2010.

وكان المفترض أن يتم تطبيق المرحلة الثانية في عام 2012 وفق خطة إصلاح تستهدف تحقيق رفع أسعار مصادر الطاقة محلياً لتعادل 90 % من مستوياتها عالمياً خلال خمس سنوات، إلا أن تدهور وضع الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الاقتصادية وما ترتب عليه من تراجع حاد في سعر صرف الريال الإيراني وارتفاع في معدلات التضخم جعل البرلمان الإيراني يوقف تطبيق المرحلة الثانية من البرنامج، بحيث يمكن القول بأن التجربة الإيرانية ناجحة لكنها غير مستكملة بعد.

وتأتي أهمية التجربة الإيرانية في نجاحها في إيجاد قناعة واسعة في المجتمع بأن الدولة لا تستهدف رفع إيراداتها وإنما إصلاح نظام دعم الطاقة، وذلك من خلال التزامها بتحويل كامل الدخل الإضافي للمستهلكين على شكل تحويل نقدي يصرف كل شهرين، وهو ما ضمن عدم وجود أي رفض أو اعتراض شعبي واسع على برنامج الإصلاح كما يحدث عادة في الدول التي قررت تخفيض الدعم دون أن تضع ميكانيكية تحمي مستويات دخول الأفراد من ذلك.

كما أن التوزيع المتساوي للتحويل النقدي ضمن أن الشريحة الأقل دخلاً في المجتمع، والتي لم تكن مستفيدة من نظام الدعم السابق أو مستفيدة بشكل محدود مقارنة بالشرائح الأغنى التي عادة ما تكون المستفيد الأكبر من برامج دعم الطاقة، أن تصبح الآن مستفيدة بشكل كبير من برنامج الدعم الجديد ما يجعله برنامج دعم أكثر عدالة.

إن إصلاح نظام دعم الطاقة في إيران من بين أكثر التجارب العالمية مناسبة لأوضاعنا، فهو يتصف بسهولة التطبيق، ويسمح بإجراء رفع كبير وسريع في أسعار مصادر الطاقة يؤثر بقوة على معدلات الاستهلاك، مع توفير حماية حقيقية للفئات الأقل دخلاً في المجتمع، ما يجعله يحمل دروساً مهمة لنا في أي عملية إصلاح حقيقي لنظام دعم الطاقة في المملكة.

نقلا عن الجزيرة