فوجئ مستخدمو البيانات في الأسبوع الماضي بحدوث تغييرات جوهرية على طريقة احتساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك الذي يصدر شهرياً عن إدارة الإحصاء بوزارة التخطيط التنموي.
فالأرقام القديمة كانت تُبنى على أوزان معينة، تمثل نمط إنفاق الأسرة في قطر -في المتوسط -على مجموعات السلع والخدمات.
وكان أهم هذه المجموعات مجموعة الإنفاق على الإيجار والوقود بوزن يساوي 32,2% من إجمالي إنفاق الأسرة في المتوسط. وكانت الأسعار تُقاس شهرياً، ويتم مقارنتها بأسعار الشهر السابق، وبأسعار الشهر المناظر من السنة السابقة مع تركز الأنظار على معدل التغير عن الشهر المناظر من السنة السابقة، باعتبار أن ذلك يمثل عند الاقتصاديين ما يُعرف بمعدل التضخم.
وقد كان معدل التضخم في حالة تراجع في الشهور السابقة ما بين أغسطس وديسمبر بحيث انخفض من 3,8% في أغسطس إلى 2,6% في شهر ديسمبر.
وبالنظر إلى مجموعة من المعطيات عن الوضع الاقتصادي تتصل بتطور عدد السكان، وتطور الرقم القياسي العام، والرقم الخاص بمكون مجموعة الإيجار، فإنني قد توقعت في مقال سابق أن يستمر التراجع في معدل التضخم، بما ينسجم مع انخفاض أسعار النفط، ونتيجة لاتجاه القطاعين العام والخاص إلى ضغط الإنفاق.
وكانت المفاجأة أن إدارة الإحصاء قد أصدرت أرقاماً جديدة مختلفة في تركيبتها عن المعتادة، بعد أن عملت على تغيير أوزان المجموعات، وتغيير سنة الأساس من عام 2007 إلى عام 2013.
ومثل هذا التغيير يكون في العادة ضرورياً نظراُ لما يطرأ على مستويات المعيشة وأنماط الإنفاق من تغير. فقد كانت السنوات الثمانية الماضية حافلة بتغييرات جوهرية في مستويات الدخول، وبالتالي في أنماط ومعدلات الإنفاق، مما استدعى أعادة النظر في الأوزان التي كان معمولاً بها في حساب الأرقام القياسية للأسعار في قطر.
المفاجأة أن البيان الجديد قدم أرقاماً قياسية عن مستويات الأسعار في شهر يناير عام 2015 مقارنة بمثيلاتها لسنة الأساس "الجديدة" في عام 2013، أي أن المقارنة تمت على سنتين وليس سنة واحدة، وذلك لا يفيد في حساب معدل التضخم المتعارف عليه دولياً.
وعلى سبيل المثال فإن الرقم القياسي العام قد بلغ 103,4 مقارنة بـ 100 نقطة في يناير 2013. ومن ثم فإن معدل التضخم يكون 3,4% في عامين... وتجاوزاً نقول:
إن المعدل في سنة واحدة هو نصف هذا المستوى أو 1,7%، ولكن ذلك غير دقيق، ولا بد أن توفر لنا إدارة الإحصاء الرقم القياسي المعدل لشهر يناير 2014 حتى نتمكن من حساب معدل التضخم لشهر يناير 2015، وإن كان من المتوقع-حسب بعض المصادر- أن يكون قد انخفض إلى مستوى 2% مقارنة بـ 2,6% في شهر ديسمبر الماضي,
وقد تبين أيضاً أن الرقم القياسي لمجموعة الإيجار والوقود قد بلغ 108,2 نقطة في يناير 2015 مقارنة بـ 100 نقطة في يناير 2013، أي أن هذا الرقم ارتفع بنسبة 8,2% في سنتين، وبمعدل افتراضي 4,1% في سنة، إلا أن الرقم الصحيح يتطلب معرفة الرقم القياسي المعدل لشهر يناير 2014، حتى يتم حساب معدل التضخم الفرعي لهذه المجموعة.
وقد وعد بيان الوزارة أن يتم إصدار بيان مكمل عن التغيرات التي طرأت على الأرقام القياسية لشهر يناير 2015 مقارنة بالشهر السابق ديسمبر 2014. ومع أهمية مثل هذه الأرقام لمعرفة التغيرات في الأسعار ما بين شهر وآخر، إلا أن المقارنة بأسعار الشهر المناظر من العام السابق هي الأكثر جدوى وأهمية لحساب معدل التضخم.
ومن بين أهم التغيرات التي طرأت على أوزان المجموعات التي تشكل الرقم القياسي للأسعار، ما لحق بوزن مجموعة الإيجار والوقود الذي انخفض من 32,2% إلى 21,9%. وقد أشار بيان الوزارة إلى أن هذا الانخفاض قد نتج عن استبعاد الإيجارات المحتسبة للمساكن التي يشغلها مالكوها والتي كانت تضاف في الرقم القديم باعتبار أنها تمثل قيمة عوائد ساكنيها على استثماراتهم في بيوتهم.
ومثل هذا التغيير في وزن هذه المجموعة ستكون له تأثيرات مؤكدة على تحركات معدل التضخم في الشهور القادمة. وقد أعود لمناقشة هذه النقطة في مقال آخر مستقبلاً، ومع ذلك أود ان أشير إلى أن هذا الوزن الجديد لا يُمكن أن يعبر عن حقيقة مستويات الإنفاق على الإيجارات في المجتمع إلا باعتباره رقماً متوسطاً بين من يدفعون إيجارات فعليه، وبين من يسكنون بيوتهم بدون إيجار..
ومن جهة أخرى،، طرأت تغيرات على أوزان بقية المجموعات، حيث ارتفعت أهمية مجموعة المطاعم والفنادق من 3,7% إلى 6,1%، وارتفعت الأهمية النسبية لمجموعة التسلية والثقافة من 4,1% إلى 12,68%، في حين ظلت الأهمية النسبة لمجموعة الغذاء والمشروبات عند مستوى 12,58%، ووزن مجموعة النقل عند مستوى 14,59%، بتغير طفيف عن الأوزان القديمة. ويضاف إلى ذلك أنه تم استحداث مجموعات جديدة مثل مجموعة الإنفاق على التدخين بوزن محدود 0,27%.
وفي الختام ارجو أن أكون قد عرضت هذا الموضوع الهام جداً بلغة علمية مبسطة، ومن لديه أي استفسار أرجو أن لا يتردد في الاتصال بي.