هل يحتاج الاقتصاد السعودي لرؤوس أموال أجنبية ؟

19/02/2015 2
نور الدين عثمان

دائما الأسئلة الاقتصادية  لا تحتمل الإجابات القطعية بلا أو نعم، ولا تأتي بعزل عن دراسة وتحليل الواقع بمنهج علمي ودقيق يقرب الصورة لصاحب السؤال مستثمرا كان أو متخذا لقرار، وفي كل الاحوال يندرج هذا التحليل تحت مسمى صناعة القرار، عن طريق توفير المعلومة الصحيحة وفي الوقت المناسب، والاقتصاد عملية مستمرة في شكل دائري كل العوامل تؤثر وتتأثر ببعضها، فمثلا العوامل التي قد تكون سببا في ارتفاع اسعار سلعة معينة اليوم هي ذات العوامل التي قد تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إنخفاض اسعار ذات السلعة مستقبلا، وهكذا تسير العملية الاقتصادية في شكلها الدائري دون إنقطاع.

وبالعودة لسؤال ( هل يحتاج السوق السعودي لرؤوس أموال أجنبية ؟ ) سنجد اننا لا نستطيع الاجابة عليه بمعزل عن دراسة وتحليل الاسواق العالمية، فالسوق السعودي يتأثر بها ويؤثر عليها بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر مع الأخذ في الاعتبار قوة السوق السعودي استيرادا وتصديرا، وطالما هناك علاقة جدلية تربط السوق الوطني باسواق العالم قطعا ما ينطبق على العالمية ينطبق على المحلية، وفي تقديرنا معظم الاسواق العالمية دوما تبحث عن القوة المالية عن طريق تعظيم رأس المال وتشجيع المستثمرين على الانضمام إليهاعن طريق توفير المناخ الاستثماري المناسب قانونيا وبيئيا وتوفير الامان لهم، أو عن طريق الاتحادات الاقتصادية كمنطقة اليورو أو اتحاد الدول الصناعية الكبرى او مجلس التعاون الخليجي أو الاتحاد الافريقي .. الخ، وجميعها تكتلات لمساعدة وحماية عضويتها إقتصاديا، كما تهدف الى الوحدة الاقتصادية والسياسية فيما بينها، لتظل جالسة على كابينة القيادة لاقتصاد العالم والسياسة العالمية معا، ودائما قوة الاسواق تقاس بقوة وحجم راس المال الذي يحركها.

مما سبق نستطيع أن نستخلص بكل بساطة أن السوق السعودي سيظل دوما في حاجة الى رأس مال إضافي يضيف اليه القوة ويشجع على المنافسة وتجويد الاداء، وقد يظن البعض أن دخول رؤوس الأموال الأجنبية للسوق المحلي سيهدد المستثمر الوطني وسيزيد من المخاطر ويقلل من الفرص الاستثمارية، ونحن بدورنا نقول ان هذا الظن ليس في محله، فدائما وجود منافس جديد برأس مال اضافي يفتح مجالات استثمارية جديدة وبالتالي يزيد من الفرص الاستثمارية وخصوصا للمستثمر الصغير الذي يتحرك دائما تحت ظل الشركات الكبيرة التي تسيطر على السوق، وهذا الوضع ينطبق تماما على السوق السعودي الذي تسيطر عليه شركات كبيرة ومحددة وتحتكر معظم النشاطات الحيوية، مما يحصر دور صغار المستثمرين في الاستثمار الآمن كالاستثمار العقاري والاستثمار في الودائع البنكية وتجارة التجزئة، ولكن في النهاية جميعهم يظلون تحت عباءة الشركات الكبيرة والقائدة للسوق، وبالتالي دخول راس مال أجنبي إضافي سيزيد من فرص الاستثمار وسينعش السوق في الأمد المتوسط والبعيد، بعد ان يتجاوز المستثمرين مرحلة الهواجس المرتبطة بدخول المنافس الجديد (الأجنبي).

ولكن نعود لنؤكد أن دخول اي راس مال إضافي ليس فقط للسوق السعودي وإنما لأية سوق، يجب أن يتم بعد دراسة متأنية ودقيقة، وبعد تهيئة السوق لاستقبال اية مستثمر محتمل مهما كانت قوته، وهذه التهيئة يجب أن تمر عبر ضوابط معينة تحكم اية استثمار اجنبي وتحدد وجهاته وما يخدم السوق ويساعد على تطويره وفتح مجالات جديدة وفك احتكار بعض المجالات الحيوية التي تحتاج لتجويد وتطوير، مع عدم اغفال الضوابط التي تحفظ للمستثمر الوطني إحساسه بالأمان والحد من جشاعة رؤوس الأموال العابرة للقارات والتي لا تعرف سوى لغة الربح دون أية إعتبارت إجتماعية وثقافية للمجتمع الذي تعمل بين افراده، وهنا يأتي دور قانون الإستثمار منظما ومراقبا وموجها وممسكا بخيوط السوق ومحافظا على حقوق كل الاطراف مستثمرا وطنيا ومستثمرا أجنبيا ومجتمع.