سعر البنزين: بين الرَفع والثبات

20/01/2015 1
د. إحسان بوحليقة

هل سيرفع الدعم عن سعر البنزين؟ سؤال يُطرح بإلحاح بعد أن أخذنا نتناقل أن مدة الدعم على وشك الانتهاء، فهل تُجدد؟ حالياً، يباع البنزين في المملكة بسعر من بين الأدنى في العالم، حتى مقارنة بدول مجلس التعاون الأخرى، الأكثر ثراءً والأقل سكاناً والأصغر بقعة جغرافية. ولا شك أن ثمة مؤشرات على أن ثمة هدرا في استخدام البنزين، بل وحتى حالات تهريبه إلى خارج الحدود بغية الاستفادة من فارق السعر. والنقطة هنا، أن عليناً أولاً أن نتعامل مع الهدر وسوء الاستخدام، ففي المحصلة سيؤدي ذلك إلى رمي «عصفورين» بحجر؛ أن تقلل الكميات المستهلكة بما يؤدي إلى تحسين الكفاءة من جهة، ومن جهة أخرى الحد من تكلفة الدعم على الخزانة العامة للدولة.

ولعل السعي لرفع الكفاءة أولوية أعلى أثراً من رفع سعر البنزين مباشرة، فرفع الكفاءة أمر مطلوب لن يجادل فيه أحد، أما رفع السعر فسيكون محل جدل واسع لاعتبارات أهمها أن الجزء الأهم من البنزين المستخدم هو للنقل، وأن الوسيلة الأساس لتنقل الأشخاص هي السيارة، التي تعتمد على استهلاك البنزين والكثير منه، باعتبار أن جل السيارات المستوردة ليست كفؤة في استخدام الطاقة، كما أن مدننا شاسعة المساحة نتيجة لتمددها الأفقي.

كما أن المسافات طويلة نتيجة لاتساع رقعة البلاد. ولا يفوت التذكير أن معدل نمو السكان في المملكة مرتفع نتيجة للنمو الطبيعي الناتج عن التكاثر، وكذلك نتيجة للنمو في استقدام العمالة الوافدة. كل هذه تجعل السعي نحو رفع الكفاءة في استخدام الوقود، وتحديداً وقود السيارات، أمراً جوهرياً ومتطلباً مسبقاً للحديث عن رفع أسعار البنزين.

وعلى صلة بتحقيق هذا المتطلب، الجهود التي يقوم بها البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة، والذي كان من ثمار جهوده التوقيع في ديسمبر 2014 مذكرات تفاهم بين معظم مصنعي السيارات في العالم والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، والاعلان أن الهيئة ستصدر المعيار السعودي لكفاءة استهلاك الوقود في يناير (2015) ليُصبح نافذاً وملزماً بعد ذلك بعام، أي يناير 2016. وتجدر الإشارة إلى أن رفع الكفاءة لا يقتصر على السيارات الشخصية فقط، بل يسعى لإلزام الشركات العاملة في مجال صناعة الحديد والإسمنت والبتروكيماويات بمعايير ومتطلبات كفاءة الطاقة المقرة من قبل اللجنة الإدارية للمركز السعودي لكفاءة الطاقة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبالفعل فقد تم الاتفاق على آلية عمل بين احدى عشرة جهة حكومية من ضمنها المركز لضمان تطبيق وتفعيل هذه المعايير والمتطلبات لتكفل التزام جميع المصانع القائمة بمتطلبات كفاءة الطاقة، التي تهدف للوصول إلى مستويات المؤشرات العالمية لكفاءة استهلاك الطاقة مستفيدةً من آلية المرونة التي أعدها البرنامج، وتسهيلات الإقراض التي تم الاتفاق عليها مع صندوق التنمية الصناعية السعودي، والذي وقع معه البرنامج مذكرة بهذا الخصوص مؤخراً.

وعلى الرغم من الأهمية البالغة للترشيد إلا أنه غير كافٍ، فالمتطلب الضروري للحد من استهلاك الوقود هو توفير نظام متكامل للنقل العام داخل المدن وبينها، بما يجعله يحل محل السيارة الخاصة، أو أن ينافسها منافسة جادة. ففي ظل عدم توافر نظام لداخل مدننا سيكون من الصعب التفكير عملياً برفع سعر البنزين، باعتبار أن تخفيض السعر كان في الأساس للتخفيف من تكاليف التنقل ذهاباً للعمل أو لنقل التلاميذ للمدارس أو ذهاب الشاب للجامعة أو لأغراض التواصل الاجتماعي والعمل على تنوعها.

وهكذا نجد أن ما يتقدم في الأولوية على رفع السعر هو الارتقاء بالكفاءة من جهة، وهذا سيؤدي لخفض الاستهلاك، وكذلك تشييد منظومة للنقل العام داخل المدن، التي بدورها ستعزز التخفيض، وبذلك يتحقق الهدف من رفع سعر البنزين ولكن دون رفع السعر.

 

نقلا عن اليوم