تعكس كثافة البيع والشراء اليوميين لأسهم أي شركة مدرجة في الأسواق المالية، قوة سيولتها واتساع قاعدة المضاربين على أسهمها والمستثمرين فيها. ومعظم المتعاملين في الأسواق يفضلون الاستثمار في أسهم الشركات المرتفعة السيولة لسهولة بيعها عند الحاجة إلى سيولة أو الانتقال إلى فرص استثمارية أخرى. كما أن الاستثمار الأجنبي يضع في طليعة شروطه عند الاستثمار في أي سوق مالية أو شركة مدرجة، ارتفاع سيولتها.
وتبيّن أن المصارف لا تفضل أسهم الشركات المنخفضة السيولة كضمانات للقروض التي تقدمها للمستثمرين، لصعوبة بيعها عند تعثر المستثمر أو المقترض عن التسديد.
يؤدي ضعف سيولة أسهم أي شركة، عادة، إلى عدم واقعية أسعارها السوقية نتيجة الانخفاض الكبير في حجم الطلب وحجم عروض البيع، إذ يضطر بعض البائعين إلى منح خصم كبير على السعر المعلن لإيجاد مشترٍ، بالتالي نلاحظ تركيز المضاربين في تداولاتهم على أسهم الشركات النشطة والابتعاد عن أسهم الشركات الخاملة. وعلى سبيل المثل تعاني أسواق الإمارات من ظاهرة تركز معظم سيولتها في عدد محدود من الشركات بحيث استحوذت تداولات أسهم نحو ٢٥ شركة على ما نسبته ٨٠ في المئة من سيولة الأسواق. واستحوذت بقية الشركات وعددها يتجاوز الـ١٠٠، على ما نسبته ٢٠ في المئة من إجمالي حجم السيولة أو التداول.
هذه الظاهرة السلبية خفضت عدد الفرص الاستثمارية المتوافرة في هذه الأسواق، على رغم الفرص المهمة في أسهم الشركات المنخفضة السيولة، لأن إدارة بعض هذه الشركات تتميز بالكفاءة العالية، ما ساهم بتمايز مؤشراتها المالية ومؤشرات ربحيتها ونموها وقوة توزيعاتها.
وعادة ما يتركز الطلب على أسهم هذه الشركات من مستثمرين على الأجل الطويل، بخاصة أن تذبذب أسعار أسهم هذه الشركات يكون عادة محدوداً عند تعرض الأسواق لأخطار مختلفة، أو عند حدوث موجات تراجع كبيرة، بعكس أسهم الشركات النشطة التي تتميز أسهمها بتذبذب كبير في أسعارها السوقية عند حدوث موجات صعود أو موجات تراجع، نتيجة تركز معظم سيولة المضاربين وتداولاتهم في أسهم هذه الشركات، بالتالي على المستثمرين في أسهم الشركات النشيطة، القدرة على تحمل الأخطار باعتبار أن البحث عن عائد كبير في أسواق الأسهم عادة ما تصاحبه أخطار عالية.
يحمل الاستثمار في أسواق الأسهم أعلى الأخطار، بينما يستثمر أصحاب الأموال مدخراتهم في الودائع عند رغبتهم بعدم تحمل أي أخطار، بخاصة عندما تمر الأسواق المالية بظروف استثنائية. ويقابل ذلك عائد محدود جداً بينما يستثمر بعضهم في السندات الحكومية أو الصكوك التي تصدرها الشركات القوية بعائد أفضل من الودائع، في مقابل محدودية الأخطار. ووجود صناع السوق في أسواق المال الخليجية يساهم في رفع سيولة أسهم الشركات الخاملة نتيجة توفير الصناع طلبات شراء وعروض بيع مستمرة لأسهمها. وغيابهم حالياً في هذه الأسواق يحرم هذه الشركات من تعزيز سيولتها، بالتالي يساهم وجودهم في زيادة عدد الفرص المتوافرة في الأسواق، بخاصة أن لديهم الدراسات والبحوث والتوصيات حول الأسعار العادلة لأسهم كل الشركات المدرجة.
تملك الأذرع الاستثمارية للحكومات الخليجية نسبة مهمة من رؤوس أموال الشركات المدرجة، ساهمت بانخفاض سيولة أسهم كثير من الشركات القيادية نتيجة محدودية الأسهم القابلة للتداول أو ما يطلق عليها (free float)، وحيث تتملك الحكومة هذه الحصص كاستثمار طويل الأجل. ولجأ بعض الحكومات إلى بيع جزء من حصتها في أسهم هذه الشركات بهدف توسيع قاعدة مساهميها ورفع مستوى سيولتها، إضافة إلى توظيف جزء من مدخرات مواطنيها وضعف الاستثمار المؤسسي في أسواق الخليج، والذي لا تتخطى سيولته ما نسبته ٢٠ في المئة من إجمالي سيولة الأسواق. بينما تستحوذ سيولة المضاربين على نسبة ٨٠ في المئة من السيولة، ما ساهم في تهميش معايير الاستثمار في هذه الأسواق وانخفاض كفاءتها نتيجة تركيز سيولة المضاربين على أسهم الشركات الأعلى سيولة، من دون الالتفات إلى أساسيات هذه الشركات ومؤشرات نموها وربحيتها. والخلل في توزيع السيولة على الفرص الاستثمارية المتوافرة في الأسواق يأتي في طليعة الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها أسواق الخليج، كما ساهم في ارتفاع أخطارها.
نقلا عن الحياة