ما الذي علينا فعله ونحن على مشارف عام مالي جديد؟

23/12/2014 1
د. إحسان بوحليقة

ملائمٌ عشية إعلان الميزانية العامة الحديث عن القوى المؤثرة على اقتصادنا الوطني تأثيراً جوهرياً، وكنت قد حدثتكم عن «الثلاثي» قبل ثلاثة أشهر، وأتناول اليوم ذات الحديث لسبب بسيط أن «الثلاثي» إن تكالب فبوسعه أن يهز اقتصادنا الوطني، أما بقية الأمور فتأثيرها هامشي في أحسن الأحوال كما كريمة الزينة على قرص الكيك!

شهدنا خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة كيف أدى سوق الأسهم بهلونياتٍ جديدة، وكيف تفتقت «تداخلات» محاسبية في توجيه الأنظار لأحد أكبر الشركات المدرجة، والتي كانت تُعَدّ من النجوم اللامعة لسوقنا المالية ولسوق الاتصالات فيه، فسمعنا أخباراً تزكم الأنوف، ولم تتضح الرؤية بعد تفصيلاً وبصورة حاسمة قاطعة.

ولا ألوم شركة بعينها، فالسوق أكبر منها جميعاً، لكن في النهاية لكل سوق مالية سمعة، وليس ملائماً -في تقديري- أن يكون السوق متفهماً لين العريكة، فالصرامة والتطبيق الحذافيري بل وحتى الأخذ بالشبهة ريثما ينجلي الغبار عن السوق أمور يعذر فيها القائمون عليه. فهل الشركات أطاحت بالمؤشر أم مَنّ؟ لعل «مَنّ» هي التي أوقعت بالسوق، لكن مَنّ هذه؟

منذ بداية النصف الثاني من العام (2014) ونحن نحبس أنفاسنا، فيما النفط، فارسنا القوي، يكابد، ولم يستطع إلا أن يهوي ليفقد ما يربو عن الأربعين بالمائة من قيمته. وفيما تكاثرت المقالات والتكهنات حول مستوى الانفاق في الميزانية العامة القادمة للمملكة؟

هل ستستمر الوتيرة التصاعدية للإنفاق العام أم ستثبت على ما أعلن للعام المالي الحالي 2014 (855 مليار ريال)، بمعنى أن الانفاق للعام 2015 لن يتجاوز 855؟ أم أن الانفاق سيتقلص، باعتبار أن أي تراجع لسعر برميل عن 100 دولار سيعني ضغوطا على الاحتياطيات! لكن تصريح وزير المالية مؤخراً «قطع قول كلِ خطيب».

وفي بلدنا، فإن إنفاق الحكومة لايزال هو قاطرة النمو الاقتصادي، بل يمكن بيان أن نحو ثلثي النمو في الناتج المحلي الإجمالي، على أقل تقدير، يمكن رده لتأثير الانفاق العام، لاسيما أن جزءا مهما من الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها القطاع الخاص مصدرها (أو ممولها) الانفاق الحكومي، الذي مصدره -بصورة أساس- النفط. ومن ناحية أخرى فالتنمية في بلدنا لم تحقق التوازن بعدّ، ولذا ليس أمامها إلا خيار واحد وهو أن تستمر.

واستطراداً، فلا يتصور أن تتأثر المشاريع التنموية في المناطق الإدارية المستهدفة بالتوازن التنموي مثل جازان والمناطق الشمالية، على سبيل المثال، كما أن مشاريع البنية التحتية سيتواصل الانفاق عليها باعتبار أنها هي متطلب لزيادة سعة الاقتصاد السعودي بما يمكنه من النمو.

أما الأمر الثالث الذي يوجب استمرار الانفاق فهو المشاريع المتأخرة والمتعثرة؛ فهذه يعاود الانفاق عليها تباعاً مع زوال أسباب تأخرها وتعثرها.

وهكذا، فعند أخذ العناصر الثلاثة مجتمعة، فسنخرج بأن الانفاق فعلياً لن يتراجع بأي قدر ملحوظ، مما يدفع للقول إن أفق نمو الاقتصاد السعودي إيجابية للعام القادم (2015)، سواء ارتفع النفط أو انخفض، أما التفاوت فسيكون في القدر وليس الاتجاه.

أما ما يلف المشهد الاقتصادي محلياً بالضبابية فليس تراجع سعر النفط، فذلك شأن الخزانة العامة، بل أسعار الأراضي؛ هل سترتفع أم تهبط؟

والعامل الحاسم هو حسم فرض رسوم على الأراضي البيضاء المخصصة لعروض التجارة، فالخوف أن تطبق أفكاك الكماشة الثلاثة بالتزامن على اقتصادنا: سوق المال، وسوق الأراضي، وسوق النفط! ولا سبيل لنا إلا بالاستباق والمبادأة بكسر الترابط والتعاضد بينها، تحوطاً من أن تنقض على اقتصادنا فتخنقه صَبرّاً.

ومن يشكك في ذلك، فليراجع «تلوي» مؤشر السوق المالية الأسبوع الفائض خوفاً وهلعاً من تواصل تدهور سعر النفط، ولم يخفف من ذلك إلا تصريح رسمي بَين أن الانفاق الحكومي لن يتقلص في العام القادم (2015)، وتم تسريب مبلغ الانفاق التقديري للحكومة في العام القادم.

نقلا عن اليوم