يتعجب كثيرون كيف أن معدل التضخم في قطر كان في السنوات الأخيرة ولا يزال منخفضاَ وبما لا يزيد عن 3% في المتوسط، بينما تكلفة المعيشة مرتفعة وتبدو فوق طاقة شرائح كبيرة من المجتمع...ويزداد العجب عندما نكون في مرحلة يتسم فيها سعر صرف الريال بالاستقرار أمام العملات الرئيسية بل والارتفاع بشكل ملحوظ أمام بعض هذه العملات.
وبداية أشير إلى أن تكلفة المعيشة هي شيئ مختلف عن معدل التضخم، فالأخير هو متوسط ما يطرأ على أسعار سلة من السلع والخدمات من تغيرات بين سنة وأخرى، بينما التكلفة هي نتيجة تراكمات التغيرات السعرية على مدى سنوات طويلة.
كما أُشير إلى أن طبيعة التركيبة السكانية في قطر، وما تتميز به من تفاوت كبير في الدخل وفي أنماط الاستهلاك، تجعل المعدل المتوسط للتضخم غير معبر عن التغيرات التي تطرأ على تكاليف المعيشة لفئات المجتمع المختلفة.
ففئة العمالة التي تشكل شريحة واسعة من المجتمع والتي تقيم في مجمعات سكنية توفرها جهة العمل، وقد توفر لهم خدمات الكهرباء والماء والتنقل بالمجان، لا يعنيها المعدل في شيئ.
كما أن معظم القطريين الذين يملكون مساكنهم لا يتأثرون بما طرأ على أسعار إيجارات الوحدات السكنية من زيادات، إلا أنهم يواجهون تكاليف مرتفعة في مسائل أخرى كالسفر والسياحة وبعض أنواع التعليم، وفي أسعار السيارات والأثاث وبقية السلع.
ويخفف من وطأة ارتفاع التكلفة عليهم ما تم إقراره في السنوات العشر الأخيرة من تعديلات على مستويات الدخل.
ومن أجل ذلك فإن هذا المقال يسلط الضوء على تكلفة المعيشة المرتفعة لفئات الدخل المتوسط أو دون المتوسط التي تشكل شريحة واسعة من المجتمع لا تقل عن نصف مليون نسمة، من جنسيات مختلفة قطرية وعربية وأجنبية.
وللإنصاف أشير إلى أن هذه الفئة ليست على درجة واحدة من الإحساس بارتفاع التكلفة، بل هي أيضاً تنقسم إلى فئات مختلفة، فمنها شريحة لا تؤثر عليها تكلفة السكن المرتفعة لحصولها على سكن من جهة العمل، ومنها من لا يتحمل تكاليف التعليم أو العلاج أو حتى السفر كذلك.
وبعد هذه المقدمة أتطرق فيما يلي إلى أسباب ارتفاع التكلفة على النحو التالي:
1-يواجه المقيمون مشكلة ارتفاع إيجارات الشقق السكنية بشكل يفوق قدرة الشباب منهم على وجه الخصوص على الاستئجار... وفي حين كان إيجار الشقة حتى عام 2003 لا يزيد عن 2500 ريال والفيللا 5000 ريال فإن إيجار الشقة الآن يتراوح ما بين 6-8 آلاف ريال ويتراوح إيجار الفيللا ما بين 15 إلى 20 ألف ريال شهرياً.
ولأن مرتبات القطاع الخاص تتراوح في كثير من الحالات ما بين 8-12 ألف ريال لشريحة واسعة من الشباب، فإن ذلك يعني أن تكلفة السكن تزيد بالنسبة لهم عن 50% من مداخيلهم الشهرية.
2- تواجه فئات واسعة من الشباب مشكلة ارتفاع تكلفة التعليم لأبنائهم في المدارس الخاصة أو المميزة، أو حتى تكاليف دور الحضانة ورياض الأطفال، وتزداد المشكلة تعقيدا لمن لديهم عدد كبير من الأبناء أومن لديهم طلبة أو طالبات في الجامعة...ومن نتيجة ارتفاع التكلفة إلا يتمكن الكثيرون من إلحاق أبنائهم بأنواع التعليم المختلفة.
3- لا تزال أسعار السيارات مرتفعة، رغم ما طرأ على سعر صرف الريال من ارتفاع في العامين الأخيرين وفي عام 2014 على وجه الخصوص، وقد وصل سعر صرف الين الياباني 121 ين لكل دولا وذلك يستدعي انخفاض أسعار السيارات اليابانية إلى نصف ما كانت عليه في عام 2011، وينطبق الأمر بدرجة أقل على أسعار السيارات الأوروبية.
وارتفاع أسعار السيارات مشكلة تواجه جميع فئات المجتمع بدون استثناء، وإن بدرجات مختلفة.
4- تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة يعتبر مرتفعا بانتظار أن يسري التأمين الصحي على الجميع.
والتكاليف الطبيية متنوعة ومتعددة تشمل الأمراض الباطنية، والمسالك البولية، والعظام والجلد والأسنان والعيون وأمراض النساء والولادة، إضافة إلى الأمراض المستعصية والمزمنة، وتكاليف الأدوية وتكلفة إجراء التحاليل والأشعة والعلاج الطبيعي.
5- يضاف إلى ما تقدم تكاليف متنوعة كالأثاث والأجهزة والملابس، وتكاليف السفر التي باتت لا تخضع لرقابة بسبب تغير سعر التذكرة الواحدة بتغير الزمان من يوم لآخر وبسبب مكان شراء التذكرة، فضلاً عن درجة التذكرة. وهناك الرسوم المختلفة للإقامات وتسجيل السيارات والمخالفات بأنواعها.
وهناك تكاليف أخرى خرجت عن المألوف وتعبر عما وصلت إليه تكلفة المعيشة من ارتفاع منها التكلفة الباهظة لأداء فرضة الحج والتي تصل إلى 35 ألف ريال للشخص الواحد، وتكاليف استئجار القاعات للمناسبات الاجتماعية لليلة واحدة.
بالمجمل فإن تكاليف المعيشة لفئات المجتمع المختلفة قد ارتفعت بالمقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات، وذلك ما يزيد الضغوط الاجتماعية، ويولد توترات نفسية على شرائح من الناس، مما يستدعي البحث عن حلول لهذه الظاهرة.