منذ ظهور الشركات المساهمة واستقرارها بشكلها القانوني الحالي في العالم وهي تسعى إلى السيطرة على بعضها البعض بحثاً عن زيادة الحجم لتوسيع النشاط، واكتساب الأسواق، وزيادة القدرة على المنافسة، وتحقيق الأرباح لإغراء المستثمرين.
ومع منتصف القرن العشرين ظهر ذلك جلياً فيما يعرف بعمليات الاندماج والاستحواذ، وبلغت ذروتها في الربع الأخير من القرن العشرين، وفي بداية القرن الواحد والعشرين.
الاستحواذ على الشركات المساهمة في مصر
تعتبر 2014 سنة الاستحواذ على الشركات المساهمة في مصر، وذلك بعد أن استحوذت" مجموعة أبراج الإماراتية " عن طريق إحدى شركاتها وهي شركة " كريد هيلثكير إل تى دى " ذات مسئولية محدودة على حوالي 52% من أسهم شركة مستشفى القاهرة التخصصى المقيدة فى البورصة المصرية، بقيمة إجمالية للصفقة تقدر بـ 105 مليون جنيه.
واستحواذ رئيس مستشفى السلام الدولي والمساهم الرئيسي بها على حصة البنك الأهلي وبنك مصر في شركة السادس من أكتوبر لجراحة القلب المالكة لمستشفى دار الفؤاد بقيمة 118 مليون جنيه ليصبح أكبر مساهم بها بنحو 36% بصورة مباشرة ومن خلال شركات تابعة.
وتمتلك دار الفؤاد 80% من أسهم الشركة الطبية العربية الدولية التي تقوم بإنشاء مستشفى دار الفؤاد بمدينة نصر حالياً بتكلفة استثمارية نحو مليار جنيه، وتمتلك أيضاً حصة في شركة دار الفؤاد الطبية بالكويت التى تدير مبنى للخدمات الطبية.
هذا بالإضافة إلى العديد من عروض الاستحواذ المقدمة للهيئة العامة للرقابة المالية للموافقة عليها ومنها عرض شركة " هكسلاي هولدنج ليمتد "، المملوكة بصورة غير مباشرة لمجموعة أبراج الإماراتية لشراء نسبة 30.46% من أسهم شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية.
وعرض تحالف رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس مع بنك الاستثمار بلتون للاستحواذ على 20% من أسهم المجموعة المالية هيرمس، والذي فشل لأن السعر المقدم أقل من القيمة الحقيقية للسهم، وفقاً لتقرير المستشار المالي المستقل لمجموعة هيرمس.
وأخيراً وليس آخراً هناك خمس عروض محلية وعربية ودولية مقدمة للاستحواذ على شركة بسكو مصر التي تأسست عام 1957 ولها ثلاث مصانع في مناطق صناعية مقامة على أراضي ممتازة، ويعمل بها أربعة آلاف عامل وموظف، وتحقق نمو مطرد في المبيعات والأرباح على مر السنين.
فقد تقدمت شركة جهينة أولاً لشراء بسكو مصر وتم رفض عرضها، وبعدها تم رفض عرض شركة حلواني السعودية، ثم تقدمت صافولا السعودية ومجموعة أبراج الإمارتية بعرضيهما وقبل البت فيهما قدمت شركة " Kellogg's " كلوقز الأمريكية عرضها للاستحواذ على بسكو مصر، وعلى ما يبدو فإن العرب والأمريكان يشتهون البسكويت المصري.
بجانب هذه الاستحواذات المنفذة والعروض الموثقة هناك معلومات وأنباء غير موثقة عن مفاوضات بين مجموعة أبراج الإماراتية وعدد آخر من المستشفيات ومعامل التحاليل الطبية للاستحواذ عليها، وأنباء عن استهداف رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس تنفيذ عملية استحواذ كبيرة على شركة مصرية متخصصة فى مجال الطاقة البديلة.
ما تقدم يعني أن استحواذات 2014 مجرد بداية لها ما بعدها، فمن المتوقع زيادة نشاط الاندماجات والاستحواذات خلال الفترة القادمة، وهو ما يستدعي مناقشة موضوعية للوقوف على معنى الاندماج والاستحواذ، والفرق بينهما، وأهداف الاندماج والاستحواذ، وهل الاندماج أو الاستحواذ يتمان بشفافية وإفصاح؟ وما هي مخاطر الاندماج والاستحواذ على الاقتصاد؟.
معنى الاندماج
الاندماج هو التحام شركتين أو أكثر، ويؤدي إلى زوال الشركات المندمجة لصالح ظهور كيان جديد ينتقل إليه جميع حقوق والتزامات الشركات الزائلة.
معنى الاستحواذ
الاستحواذ يعني السيطرة المالية والإدارية لأحد الشركات على نشاط شركة أخرى، وذلك عن طريق شراء كل أو نسبة من الأسهم العادية التي لها حق التصويت في الجمعية العامة للشركة المستحوذ عليها سواء تم شراء الأسهم بالاتفاق مع الإدارة الحالية أو بدون، لأن المهم أن تسمح النسبة المشتراة للشركة المستحوذة بالهيمنة على مجلس إدارة الشركة المستحوذ عليها.
الفرق بين الاندماج والاستحواذ
على الرغم من تشابه العمليات السابقة على إتمام عقود الاندماج أو الاستحواذ، من حيث دور الوسطاء، ومعايير تقييم الأصول، وإعداد الترتيبات الخاصة بتحديد مصير العقود المرتبطة بتلك الشركات، وحصص المساهمين، إلا أن هناك معياران للتفريق بين الاندماج والاستحواذ هما:
1- المقابل الممنوح: إذا كان المقابل المدفوع لمالكي أسهم الشركة مال أي ثمن وليس حصة اعتبرت العملية استحواذ وليس اندماج، أما إذا كان المقابل حصة فهو اندماج وليس استحواذ.
2- مآل الشركة: إذا لم تنقضي الشركة بعد شراء شركة أخرى لأسهمها تكون العملية استحواذ وليس اندماج، أما إذا انقضت الشركة المباع أسهمها في الشركة المشترية أو انقضت الشركتين المباعة والمشترية لتنشأ على أثر انقضائهما شركة جديدة فالعملية اندماج وليس استحواذ.
أهداف عمليات الاندماج والاستحواذ
مما لا شك فيه أن التغيرات السريعة والمتلاحقة في النظام الاقتصادي العالمي، والمتمثلة في العولمة والحوكمة والحرية الاقتصادية، وإزالة العوائق وفتح الأسواق أمام تدفق التجارة، وإقامة التكتلات الاقتصادية، وازدياد المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء؛ وكذلك الأزمة المالية العالمية في 2008 والتي تحتاج جميع الدول وقتاً لتتعافى اقتصاداتها من آثارها التي لازلت موجودة حسب تصريح صندوق النقد الدولي.
كل هذا أدى إلى زيادة حدة المنافسة بين الشركات، وزيادة التحديات التي تواجهها، فكان من الطبيعي زيادة عمليات اندماج الشركات أو الاستحواذ عليها لمواجهة هذه التغيرات والآثار.
والاندماج في الغالب يكون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة وهو خيار استراتيجي لهذه الشركات نحو التكتل والتحالف لخلق كيان جديد وعملاق ذات تقدم تقني ورأسمالي وتكنولوجي يمكنه استغلال حدة المنافسة العالمية لصالحه، ويكون له القدرة على تحقيق الأهداف التي لا تستطيع أن تحققها كل شركة بمفردها، أو للتغلب على مشاكل قائمة أو متوقعة في المستقبل لهذه الشركات؛ ومن المفترض أن يكون اندماج الشركات معاً في كيان أكبر هو الطريق الأمثل لتحقيق العديد من الإيجابيات ومن أهمها:
•الاستفادة من مزايا الحجم الكبير في توفير قوة تفاوضية في سوق مستلزمات الإنتاج مما يؤدي إلى خفض التكاليف، وزيادة القدرة التنافسية في سوق السلع النهائية.
•يساعد الاندماج بين الشركات المماثلة على نمو هذه الشركات بسرعة في قطاعها أو في قطاع جديد أو مكان جديد، دون الحاجة إلى إنشاء كيانات أو مشروع مشترك أو فروع جديدة.
•يوفر الاندماج استخدام التكنولوجيا المتقدمة والخبرات الفنية والصناعية والتدريب للعمالة وهو ما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية وتطوير الأنظمة الإدارية والمالية.
•زيادة كفاءة الحصول على التمويل من المؤسسات المالية المحلية والعالمية بشروط ملائمة.
•الاندماج قد يكون الحل المثالي لبعض الشركات المتعثرة والمهددة بالإفلاس.
أما الاستحواذ فغالباً ما تقوم به الشركات العملاقة ذات رؤوس الأموال الضخمة والتي تستخدم التكنولوجيا المتقدمة في أعمالها، وليست بحاجة إلى الاندماج لأن مراكزها المالية قوية، وصناعتها متطورة وقادرة على الصمود والمنافسة؛ وهذه الشركات العملاقة تقوم بعمليات الاستحواذ لتحقق أهدافها في الدخول إلى أسواق جديدة أو التحكم في منتج معين أو السيطرة على الأسواق بالاستحواذ على الشركات الأصغر، وخاصة التي تعمل في نفس المجال.
الشفافية والإفصاح في عمليات الاندماج والاستحواذ
رغم وجود لوائح لهيئة سوق المال تنظم عمليات الاندماج والاستحواذ إلا أن العدالة مفتقدة في هذه العمليات، وذلك لعدم وجود قدر مناسب من الشفافية والإفصاح وخاصة في مسألة تقييم أصول الشركات المستهدفة بعمليات الاندماج أو الاستحواذ.
وليس بخافٍ عن الكثير الممارسات غير القانونية، والتي يمكن وصف بعضها بأنها غير أخلاقية ويشوبها الاحتيال والتمويه المتعمد والمدروس، وللأسف في أحيان كثيرة يتم ذلك بالتعاون مع بعض المديرين التنفيذيين أو أحد أعضاء مجلس إداراة الشركة المستهدفة.
يضاف إلى ذلك أن السيطرة على شركة لا يتطلب أن يمتلك المستحوذ أكثر من 50% من رأس مال الشركة المستحوذ عليها، فقد ثبت بما لا يدع مجال للشك أن السيطرة الفعلية على أي شركة يحدث في كثير من الأحيان بتملك ١٠% أو ١٥% من أسهم الشركة، وذلك بسبب ظاهرة تغيب المساهمين عن اجتماعات الجمعيات العامة للشركات؛ فالكثير من المساهمين يعتبرون أنفسهم مجرد مستثمرين فينصب كل اهتمامهم على توزيعات الأرباح عن مساهمتهم، ويغيب عنهم أنهم المُلاك الفعليين للشركة وأصحاب القرار فيها عن طريق التصويت في الجمعية العامة، ونتيجة لذلك يصبحوا غير معنيين بقرارات مجلس إدارة الشركة بشأن الاندماج أو الاستحواذ وتأثيره على ملكيتهم في الحقيقة.
مخاطر الاندماج والاستحواذ
وجود إيجابيات للاندماج والاستحواذ لا ينفي وجود مخاطر كبيرة من أهمها احتكار قطاعات اقتصادية وصحية وتعليمية لها تأثير مباشر على دخول الأفراد وصحتهم وثقافتهم.
وتقييم الأصول بأقل من قيمتها لغياب الشفافية والإفصاح يؤدي إلى الإضرار بحقوق المساهمين، كما أن بعض عمليات الاندماج والاستحواذ يكون هدفها القضاء على المنافسة عن طريق البيع بأسعار أقل من التكلفة لفترة زمنية محدودة لحين خروج المنافسين، ومن ثم رفع الأسعار على المستهلكين لتعويض الخسارة وتحقيق مزيد من الأرباح، وهذه الممارسات تلقى معارضة قوية من الحكومات والجمعيات العامة للمساهمين وجمعيات حماية حقوق المستهلك.
هذا وفي كثير من الأحيان تقوم بعض الشركات العالمية بشراء الشركات المحلية بهدف الاستحواذ على ممتلكاتها من الأراضي والأصول العقارية الواقعة بأماكن متميزة، ثم تقوم بنقل المصانع الى مناطق أخرى نائية، وتخير العمال بين نقل سكنهم وعائلاتهم ومدارس أطفالهم إليها وبين تقديم استقالاتهم؛ وبعدها تبيع الأراضي وتحقق مكاسب خيالية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة بسبب فقد آلاف العمال لوظائفهم.
وفي أحيان أخرى لا يكون الاندماج أو الاستحواذ بهدف التطوير أو اكتساب المهارات الفنية لتحقيق الربح، وإنما بهدف الخروج من أزمة تمويلية أو للهروب من الإفلاس فتكون النتائج سلبية أكثر منها إيجابية.
ولأنه من المتوقع أن يشهد سوق المال في الفترة المقبلة دخول العديد من صناديق الاستثمار والشركات الأجنبية الراغبة في الاستحواذ على قطاعات حيوية في الاقتصاد المصري، وهو ما يعني تقديم المزيد من عروض الاستحواذ على المستشفيات الكبرى، ومصانع الأدوية، ومعامل التحاليل الطبية بهدف السيطرة على القطاع الطبي، وكذلك سيكون هناك عروض أخرى مقدمة للاستحواذ على شركات عريقة في قطاع التصنيع الغذائي مثل بسكو مصر التي تمتلك أصول عقارية وأراضي وأهم من ذلك سوق مفتوحة وأرباحها في ازدياد مستمر؛ لذا فإن هذه المقالة تعد بمثابة رسالة تحذيرية للحكومة ومطالبة لها بضرورة التدخل لوقف أي عمليات اندماج أو استحواذ غير عادلة أو تشوبها ممارسات احتكارية أو تضر بحقوق المواطنين ومصالحهم.