جهود وزارة التجارة والصناعة بضبط سوق السلع باتت واقعًا ملموسًا، ويشكرون عليها، بالرغم من أنها من واجباتهم، لكن تفعيل الأنظمة والدور الرقابي كان غائبًا لسنوات طويلة، وقامت الوزارة حاليًّا باستعادة جزء مهم من دورها الرقابي والتنظيمي، ولم يعد بإمكان بعض شركات التجزئة أو الوكالات والتجار عمومًا، التحايل على الأنظمة لتعظيم المكاسب من جيوب المستهلكين، وإن كان الطريق ما زال ببداياته لإعادة هيكلة السوق الاستهلاكية، إلا أن الخطوات والجهود الحالية تبشر بتحول كبير بمفاهيم التجارة الداخليَّة وحفظ حقوق المستهلك، وخلق بيئة تنافسية صحيَّة في أكبر سوق استهلاكي بالمنطقة، الذي يتجاوز حجمه 300 مليار ريال سنويًّا وفقًا لتقديرات سابقة.
ولا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن العديد من العقوبات الصارمة تجاه المتلاعبين، ومن يقومون بعمليات غش ببضائعهم من قبل وزارة التجارة، ونلحظ أن جزءًا من هذه المخالفات يأتي من خلال عروض وهمية للتخفيضات تقوم بها شركات أو وكالات، إلا أن تطوّر الرقابة بالسوق، وكذلك تفعيل دور المستهلك الذي يتقدم بشكاوى حول تلاعب تلك المنشآت بعروضها، أدَّى لتحسن كبير في ضبط السوق، لكن القضاء على تلك التصرَّفات السلبية، لا بُدَّ أن يتطوّر إلى مرحلة تنظيمية أكثر دقة وسهولة بنفس الوقت، لتسريع المعالجات التي تنتج عنها، فكشف أيّ تلاعب لو تعدى ساعات من بدايته، يعني أن هناك مستهلكين وقعوا بفخ التلاعب وأكل حقهم، حتَّى لو أعلنت تلك المنشأة عن خطئها وطلبت من المتضررين مراجعتها لتصحيح الخطأ، فقد لا يأتي جميعهم أو قد لا يسمعون بالتطوُّرات التي حدثت لكي يستعيدوا حقهم الذي غبنوا فيه، مما يتطلب تنظيمات استباقية تمنع أو تحد من أيّ خلل سواء بقصد أو بدونه.
والأمر لا يقف عند مواسم التخفيضات، بل حتَّى بالفترات العادية، نجد تباينًا كبيرًا بأسعار السلع الاستهلاكية، سواء الأساسيَّة أو الكمالية، تصل إلى نسب عالية تتخطى 50 بالمئة بين منفذ بيع وآخر مهما كان حجمه، سواء شركة أو محلات صغيرة، وهناك أمثلة كثيرة يلمسها المستهلك بنفسه في حجم الفروقات الكبيرة بأسعار بعض السلع من مكان لآخر، بل إن من يشتري عبر مواقع التجارة الإلكترونية الموثوقة، يلمس تلك الفروقات بشكل واضح، فإحدى السلع الغذائيَّة الخاصَّة بالأطفال تباع بأسواقنا بما يقارب 50 ريالاً للوحدة، بينما سعرها على موقع أمازون لا يتعدى مع الشحن 15 ريالاً، بخلاف السلع الإلكترونية التي تلمس الفروقات فيها بين شركات تجزئة محليَّة شهيرة تبيعها بأسعار تفوق أسعارها بمتاجر تقع بمجمَّعات متخصصة لبيعها بفروق تتعدى 50 بالمئة.
وبما أن السوق الاستهلاكية كبيرة بالمملكة، وباتت طرق التواصل بين المستهلك ووزارة التجارة سهلة، بفضل وسائل الاتِّصال الحديثة، فإنَّ تطوير مراقبة السوق، يتطلب استثمارًا للتقنية الحديثة يُؤدِّي لكشف أيّ تلاعب أو خلل بالعروض الوهمية بمواسم التخفيضات، وحتى يساعد أيْضًا بكشف أيّ تباين كبير بأسعار السلع بين منفذ بيع وآخر، فإنَّ إنشاء «مركز معلومات للأسعار» من قبل وزارة التجارة أصبح ضرورة، ويساعد بضبط السوق، وكشف أيّ خلل بسهولة.
وتقوم الفكرة، على ربط شركات التجزئة والوكلاء بالمركز، وعند إدخالهم لأسعار السلع باجهزتهم تكون مربوطة بمركز المعلومات، مما يسمح للوزارة بمعرفة واقع الأسعار، وحجم الفروقات بين متجر وآخر، وكذلك الفروقات مع أسعار الوكلاء وموزعي الجملة.
وعند قيام أيّ جهة بالتلاعب بعروض التخفيضات، أو يظهر فرق كبير بسعر سلعة تحمل نفس المواصفات والمنشأ، فيتم كشفها ومعاقبتها على مخالفتها للانظمة.
وسيُؤدِّي المركز دور توعوي مهم للمستهلك بمعرفة سعر السلع بكلِّ منفذ بيع، حتَّى يتبيّن له من الأرخص، مما سيوجه التجار تلقائيًّا للمنافسة الصحيَّة للسوق، ويمنع رفع الأسعار وتعظيم الأرباح من جيوب المستهلكين.
ضبط السوق الاستهلاكية، لا يسهم فقط بفائدة واحدة تصب لصالح المستهلك بحمايته من المغالاة بالأسعار، أو تقديم عروض وهمية له من قبل البائعين، بل يساعد على خفض التضخم، وتحسين القوة الشرائية لشرائح لا تستطيع توفير بعض احتياجاتها بسهولة نتيجة انخفاض دخلها أمام ارتفاع الأسعار، وكذلك يقلل من الهدر المالي بالاقتصاد الذي يذهب لصالح فئة قليلة بالمجتمع على حساب شريحة واسعة فيه وهم المستهلكون.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
فكرة ممتازة أتمنى تنفيذها قريبا.