في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية، وانشغال الدول الصناعية الغنية بمعالجة تداعياتها، ذَكَّرَ خادم الحرمين الشريفين قادة «مجموعة العشرين» عام 2008 بحقوق الدول الفقيرة التي ازدادت معاناتها من جراء الأزمة، حتى أصبحت غير قادرة على تحمُّل آثارها، محذراً في الوقت عينه من «أنها ستكون في أوضاع مالية أصعب؛ تجعل من تحقيقها أهداف التنمية الألفية أبعد من أي وقت مضى».
طالب الملك عبدالله صندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات المالية بالقيام بدورهما في دعم الدول النامية، خاصة الفقيرة منها؛ لتتمكن من مواجهة آثارها الاقتصادية، وشدد على أهمية تحسين مستويات المعيشة العالمية، وانتشال الشعوب من الفقر، كما أطلق مبادرته الأهم في مجال الطاقة تحت شعار «الطاقة من أجل الفقراء»، جسَّد فيها رؤية المملكة تجاه دعم الدول الفقيرة، وحقها المشروع في التنمية.
التزمت المملكة بتعهداتها التي أطلقتها في قمة العشرين، في الوقت الذي تجاهلت فيه الدول الأخرى وعودها التنموية للدول الفقيرة، بعد أن ضمنت الحصول على الدعم الأمثل لتحقيق النمو، والاستقرار المالي، وتحفيز الطلب من خلال الإنفاق العام.
أُهمِلَت الدول الفقيرة، واستُبعِدت تماماً من خطط الغرب التنموية؛ فغرقت في مستنقع الفقر والجوع والمرض.أصبحت الدول الغربية أكثر انشغالاً بنفسها؛ فتجاهلت التزاماتها نحو الدول النامية والفقيرة، وذهبت أبعد من ذلك حين تسببت في مشكلات أمنية؛ أدت إلى فقدان بعض الدول العربية الأمن والاستقرار.
«منظمة الشفافية الدولية» وجّهت رسالة مفتوحة إلى قادة مجموعة العشرين، ذكَّرتهم فيها بمسؤولياتهم تجاه الدول النامية والفقيرة، وأن لا يكون تركيزهم منصباً على تحقيق هدف النمو في بلدانهم الصناعية، بل يجب أن يكون «شاملاً للكل، وأن يكون مستداماً، وألا يخلف أحداً»، وهو ما طالب به خادم الحرمين الشريفين عام 2008.
منظمة الشفافية طالبت أيضاً بالتصدي للفساد والثغرات التي تسمح بحركة الأموال غير المشروعة في النظام المالي.
أزعم أن الجزء الأكبر من الفساد العالمي تتحمله الدول الصناعية الكبرى، كما أنها تتحمل مسؤولية السماح للأموال القذرة بالمرور من خلال النظام المالي العالمي، طالما أنها لا تشكل خطراً عليها.تعاني دول المنطقة من التدفقات المالية القذرة، وهي أموال ضخمة، يمكن السيطرة عليها من خلال القنوات المالية العالمية، درءاً لمفسدتها العظيمة.
تجاهُل دول الغرب عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبطة بالمنطقة العربية أسهم بشكل مباشر في دعم المنظمات الإرهابية التي أغرقت المنطقة في مستنقع الحروب.
يتهم البعض الولايات المتحدة الأمريكية بممارستها معايير مزدوجة في الرقابة المالية؛ إذ تجتهد في فحص جميع الأموال القادمة إليها، وتتهاون حين تعاملها مع الأموال غير المشروعة المتدفقة على دول المنطقة العربية لأهداف تخريبية.
لم تعد تلك الأموال مرتبطة بجماعات الإرهاب، بل أصبحت أكثر ارتباطاً بالدول الراعية والداعمة للإرهاب في سوريا والعراق واليمن، ودول الخليج.
من حق «منظمة الشفافية الدولية» التحذير من مغبة غض الطرف عن ثغرات النظام المالي العالمي التي تسمح بمرور الأموال القذرة، المرتبطة بعمليات الفساد في الدول النامية والفقيرة.
ومن حقنا نحن أن نعترض على «أمريكا» في تجاهلها عمليات تمويل الإرهاب المكشوفة التي تقود إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة.
سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز شدد في قمة العشرين التي اختتمت أعمالها مطلع الأسبوع الحالي على الارتباط الوثيق بين النمو الاقتصادي والسلم العالمي، وأكد أنه لا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر؛ وهو ما يتطلب التعاون والعمل الجماعي لمعالجة القضايا التي تمثّل مصدر تهديد للسلم العالمي.
استقرار المنطقة، ومعالجة مشكلاتها الأمنية، ووقف تغذية الإرهاب، من الأسباب الرئيسة لضمان تدفقات النفط، والمحافظة على أسعاره؛ وبالتالي تحقيق هدف النمو العالمي.
من المُأمَّل أن يكون لدول المجموعة، وفي مقدمتها أمريكا، دور أكبر في مراقبة النظام المالي العالمي، ومنظومة التقاص الدولية، وبما يضمن وقف التدفقات القذرة وكشفها، وفضح الدول والمنظمات المنخرطة فيها.
وهو أمر لن يتحقق إلا بالمواجهة الشفافة، والطرح الموضوعي لقضايانا العادلة في القمم والمحادثات الدولية.
ضمان إمدادات النفط واستقرار أسعاره كانا سبباً في تجاوز الاقتصاد العالمي أزمته الخانقة، وقد يكونان من أسباب تدهوره مستقبلاً، ما لم تسهم دول الغرب في تجفيف مصادر تغذية الإرهاب، وتمويله، وقطع قنواته الدولية، وفضح الدول المنخرطة في عملياته القذرة، وضبط شبكة المدفوعات العالمية.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع