في تفسير قفزة الفائض وتراجع الإنفاق

02/11/2014 0
بشير يوسف الكحلوت

خرجت علينا وكالة رويترز يوم الخميس الماضي بخبر مفاده أن فائض ميزانية قطر في الربع الأول من العام المالي الحالي أي أبريل-يونيو قد سجل مستوى تاريخي يُقدر بنحو 79 مليار ريال مقارنة مع عجز  24,4 مليار ريال في الفترة المناظرة من العام السابق.

وأتبَعَتْ الوكالة الخبر ببعض التخمينات عن سبب حدوثه منها أن قطر للبترول قد بدأت بتحويل فائضها المالي بالكامل إلى الحكومة، وأن الإنفاق الحكومي قد انخفض بنسبة 6,6%، بسبب تباطأ تنفيذ مشروعات البنية التحتية.

والأرقام التي أوردتها رويترز في خبرها صحيحة بالمطلق، ومصدرها نشرة مصرف قطر المركزي  عدد سبتمبر، الجدول رقم (1)، الخاص بالمؤشرات الرئيسية.

ولكن الذي اقتنص الخبر من النشرة، فاته أن ينتبه إلى ملاحظة مهمة تحت الجدول مفادها أنه يتم تسجيل الإيرادات والنفقات وفقاً للأساس النقدي.. ومعنى ذلك أن الأرقام المشار اليها تعبر عما وصل لسجلات وزارة المالية من إيرادات وما تم دفعه من نفقات حتى نهاية الربع الأول للسنة المالية، وهي بالتالي لا تشمل أية إيرادات أو مصروفات مستحقة عن الفترة ولم يتم  دفعها أو توريدها للمالية حتى نهاية يونيو. 

وعلى ذلك،،، فإن ما تعكسه الأرقام من فائض كبير، أو من تراجع في الإنفاق قد لا يكون صحيحاً بالضرورة، وأن المتتبع لهذه السلسلة من الأرقام في نفس الجدول يجدها متقلبة بطبيعتها ما بين ربع وآخر، فتارة ترتفع، وأخرى تتقلص وتنخفض.

فإذا تأخر تحويل الأموال من قطر للبترول إلى وزارة المالية بضعة أيام، فإن الأرقام يتم احتسابها في الربع التالي.

ومن هنا فإن ما ذهبت إليه رويترز من تحليل للخبر ليس صحيحاً، ويفتقر إلى الدقة المعروفة عنها في فهم البيانات ودلالاتها.

وفي حين ركزت الصحف الصديقة في عرضها للخبر على الجانب الإيجابي منه، فإن صحفاً أخرى قد اهتمت بموضوع تراجع الإنفاق بنسبة 6,6%، وراحت تبحث عن أسباب له، وخلق ذلك قدراً من البلبلة في أذهان القراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي والمالي القطري.

وعودة للأرقام الصادرة في نشرة مصرف قطر المركزي سنجد أن إجمالي الإيرادات قد ارتفعت في الربع الأول من السنة المالية إلى مستوى 117,8 مليار ريال مقارنة بـ 82,2 مليار ريال في الربع السابق يناير –مارس، وبمستوى 146 مليار ريال في أكتوبر-ديسمبر 2013، وبمستوى 101,4 مليار ريال في الفترة يوليو-سبتمبر 2013.

أي أن أرقام الإيرادات تقلبت من فترة لأخرى بسبب طريقة قيد الإيرادات، ولم يكن ذلك نتيجة لما طرأ على مصادر الإيرادات من تغير فعلي.

ولو تتبعنا تطور النفقات في نفس الفترات المشار إليها سنجد أنها 38,8 مليار ريال، وقبلها 91,6 مليار ريال، ثم 46,8 مليار ريال، وآخرها قبل سنة 51,7 مليار ريال على الترتيب.

وبموجب هذه البيانات، فإن الصافي قد تقلب في الفترات المشار إليها ايضاً ما بين فائض  79 مليار ريال  في الفترة أبريل- يونيو،وقبله عجز 9,4 مليار ريال، وقبله فائض 99,2 مليار ريال، وقبله فائض 49,7 مليار ريال.

صحيح أن الأرقام بطبيعتها ليست ثابتة وإنما تختلف من فصل لآخر بسب تغير الأسعار أو كميات الإنتاج، أو طبيعة النفقات الرأسمالية على المشروعات الكبيرة، ولكن هذه كلها تظل في الغالب اختلافات مقبولة ومنطقية مثلما حدث في الشهور الأخيرة من تراجع في أسعار النفط، أو بسبب عمليات الصيانة المعتادة لآبار النفط في فترة إبريل- يونيو من كل عام.

ومثل هذه الطريقة في عرض البيانات تتسبب في حالة من الإرباك لدى الجمهور وقد يكون لها تأثيرات عكسية  عند اتخاذ قرارات استثمارية معينة.

وحتى لا يتكرر مثل هذا الأمر مستقبلاً، فإنني أوصي وزارة المالية، ومصرف قطر المركزي، بتغيير طريقة عرض البيانات من الأساس النقدي إلى أساس الاستحقاق المالي.

فإذا كان نشر بيانات الفترة  إبريل-يونيو يتم في نشرة سبتمبر التي صدرت مع نهاية أكتوبر قبل يومين، فإن الوقت المتاح يبدو كافياً جداً لنشر بيانات فعليه أولية عن الإيرادات والنفقات دون التوقف عند بيانات نقدية بعيدة كل البعد عن الأرقام الفعلية.

ومن يقارن بيانات الأساس النقدي  بالبيانات الفعلية الفصلية لعدة سنوات سابقة سيجد أن النوعين مختلفان عن بعضهما البعض  بشكل واضح.