مثلت الأزمة العالمية التي بدأت عام 2008 فرصة تاريخية للقطاع المالي الإسلامي ليثبت جدارته ونجاحه في مواجهة الأزمات، وأن يكون ملاذاً آمناً لرؤوس الأموال والاستثمارات العربية والإسلامية وغير الإسلامية.
وشجعت الأزمة تحول الأفراد والشركات والحكومات، وحتى المؤسسات المالية الكبرى ذاتها، إلى الصيرفة الإسلامية.
فالأزمــة المالية العالمية الأخيرة وما نجم عنها من تداعيات خطيرة على النظام المالي العالمي، وتأثر العديد من المؤسسات المالية في المنطقة بها، أبرزت دروساً كثيرة، من بينها وأهمها سلامة المبادئ التي تقوم عليها الصناعة المالية الإسلامية كونها تملك العديد من المقومات التي تحقق لها الأمن والأمان وتقلل الأخطار، مثل الأمانة والصدقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن، إذ تحرم الشريعة التعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على المقامرة والاحتكار والاستغلال والجشع.
ومن المقومات الرئيسة أن النظام المالي والاقتصادي الإسلامي يقوم على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة وعلى التداول الفعلي للأموال والموجودات، كما تحرم الشريعة المشتقات المالية التي تقوم على تعاملات وهمية تسودها الجهالة.
هذه المقومات أعطت ثقة اكبر في النظام المالي الإسلامي، وزادت الإقبال على خدماته ومنتجاته كما هو واضح من معدلات نمو الصناعة المصرفية الإسلامية، بل حتى تبنيه من كثير من المصارف والمؤسسات المالية العربية.
وأخيراً، أعلنت شركة «إرنست أند يونغ» للاستشارات المالية أن أرصدة الصيرفة الإسلامية نمت بنسبة 17.6 في المئة سنوياً خلال الفترة الممتدة من 2009 إلى 2013، وأنها ستنمو بنسبة متوسطها 19.7 في المئة سنوياً حتى 2018، ما يؤكد أن الصيرفة الإسلامية أخذت تتحول من نشاط مغلق إلى نشاط عالمي، ويؤكد أيضاً سلامة ما توقعناه في بداية العالمية.
وفي الأسواق المصرفية الخليجية يتجه عدد من المصارف العربية الكبرى في السعودية والكويت والإمارات وعُمان بصورة متزايدة إلى تبني نموذج الصيرفة الإسلامية.
وكذلك هي الحال في عدد من الدول العربية مثل تونس وليبيا والمغرب، التي أصدرت تشريعات مصرفية خاصة بالصيرفة الإسلامية، ناهيك عن تركيا التي تشجع منذ سنوات تأسيس مصارف إسلامية، وأسس أخيراً المصرف الزراعي مصرفاً إسلامياً.
ولذلك نمت الأصول المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة في المصارف العالمية لتصل نهاية 2013 إلى 1.7 تريليون دولار، وتشير تقديرات إلى أنها ستفوق تريليوني دولار بحلول 2014. وارتفعت كذلك الأصول المصرفية الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي من 452 بليون دولار عام 2012 إلى 525 بليوناً نهاية 2013، إذ بلغت الأصول المصرفية الإسلامية في السعودية 260 بليون دولار، تلتها الإمارات بـ 90 بليوناً فقطر بـ 60 بليوناً.
وتضم دول مجلس التعاون الست 13 مصرفاً إسلامياً من بين أكبر 15 مصرفاً على مستوى العالم، وذلك برأس مال يزيد على بليون دولار لكل مصرف.
وبرزت أسواق ماليزيا وبريطانيا كأسواق نشطة في إصدارات الصكوك واحتضان المصارف الإسلامية. وخلال 2002 - 2012 تزايد الإصدار السنوي للصكوك بنسبة متوسطها 35 في المئة من أربعة بلايين دولار إلى 83 بليوناً. وتتصدر ماليزيا البلدان الإسلامية في هذا المجال، فيما أصبحت بريطانيا أول دولة غربية تصدر صكوكاً إسلامية سيادية بقيمة 200 مليون جنيه استرليني نجحت من خلالها في استقطاب مستثمرين من أنحاء العالم ضخوا 2.3 بليون جنيه استرليني.
ولجأت مؤسسات مالية عالمية مثل مصرف «سوسيتيه جنرال» الفرنسي ومصرف «طوكيو - ميتسوبيشي يو أف جي» ومصرف «غولدمان ساكس» الاستثماري إلى إصدارات لصكوك إسلامية.
وأبدت اهتماماً باصدار صكوك إسلامية دول مثل لوكسمبورغ وروسيا واستراليا والفيليبين وكوريا الجنوبية.
وخلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليَّين في نيويورك منتصف هذا الشهر خصِّص جزء من أوراق عمل ومناقشات الاجتماعات للصيرفة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي وللاستفادة منها في حماية الاقتصاد العالمي وتطوير نماذج التنمية العالمية.
نقلا عن الحياة