خلل في الائتمان المصرفي الكويتي

02/10/2014 2
عامر ذياب التميمي

أشارت بيانات المصرف المركزي الكويتي أخيراً إلى أن التسهيلات الائتمانية الممنوحة إلى مختلف القطاعات الاقتصادية بلغت 30 بليون دينار كويتي (104 بليون دولار) نهاية تموز (يوليو) بعدما كانت 30.2 بليون نهاية حزيران (يونيو)، أي بتراجع 200 مليون دينار أو 0.6 في المئة خلال شهر.

ويتضح من التفاصيل أن التسهيلات الشخصية، وهي تشمل القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة وتسهيلات تمويلية لاقتناء الأصول المالية، انخفضت مئة مليون دينار، كذلك تراجعت القروض العقارية 46 مليوناً.

وذكر البعض أن تسويات القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة بموجب قانون الأسرة ساهمت في خفض التسهيلات الشخصية، كما أن رمضان المبارك والعطلة الصيفية ربما حدا من الصفقات العقارية بما خفض الطلب على التمويلات، لكن الائتمان المصرفي في الكويت يظل محكوماً بطلبات التمويل من قطاعات محدودة، وهي في شكل أساسي التسهيلات الشخصية وقروض القطاعات العقاري والتجاري والصناعات التحويلية.

وتأتي التسهيلات الشخصية في المرتبة الأولى وبنسبة 40 في المئة من الإجمالي ثم العقارية بنسبة 27 في المئة فالتجارية بنسبة تسعة في المئة فقروض الصناعات التحويلية بنسبة ستة في المئة. وأي تغييرات في هذه التوزيعات تظل محدودة.

هل يمكن أن تطور مصارف الكويت وفروع المصارف الأجنبية في البلاد أعمالها فترفع حجم الائتمان في شكل أفضل بما يعزز التوظيف الأمثل للأموال المودعة لديها؟

يبدو هذا السؤال كبيراً ويتطلب تعمقاً في فهم متطلبات مختلف القطاعات من تمويل ومدى قدرة هذه القطاعات على تعزيز أعمالها ونشاطاتها لتزيد من طلبها على التمويل.

وتبين بيانات تموز أن الإيداعات المتوافرة لدى المصارف بلغت 36.8 بليون دينار موزعة بين إيداعات القطاع الخاص (28.8 بليون) وإيداعات العملات الأجنبية (2.8 بليون) وإيداعات الحكومة (5.1 بليون).

ولا شك أن هذه إيداعات مهمة يتعين على المصارف أن توظفها على أسس مجدية لتحقيق العائدات المناسبة ولتغطية تكاليف التمويل عليها.

وثمة ضرورة لأن تدرس المصارف أوضاع مختلف القطاعات الاقتصادية وقنوات التمويل المتاحة، وتتأكد من درجات الأخطار فيها، وتضع إستراتيجيات لتوزيع الائتمان على أسس تتوافق مع المعايير الدولية المعتمدة من قبل المصرف المركزي.

وقُدِّمت خلال السنوات الماضية تسهيلات للأفراد على شكل قروض استهلاكية وقروض مقسطة، وهي قروض شخصية أيضاً تتركز في عمليات تمويل بناء السكن الخاص أو تمويل شراء السلع المعمرة، وبلغت هذه القروض ما يقارب 8.7 بليون دينار أو 73 في المئة من التسهيلات الشخصية، في حين أن التسهيلات الشخصية الممنوحة لاقتناء الأصول المالية، أو الاستثمارات المسعرة والمتداولة، لا تمثل سوى 27 في المئة من إجمالي هذه التسهيلات.

لا تخفى على أحد أهمية ترشيد تمويلات الاستهلاك في الكويت بعدما أصبحت تمثل عبئاً على المال العام فالنهج السياسي الشعبوي ألزم الحكومة لمرات خلال السنوات الماضية، بتعويم المقترضين من الأفراد، وغالبية هؤلاء من الموظفين أو أصحاب الدخل المحدود، بعدما تبين أن عدداً منهم استدانوا بما يفوق قدراتهم على التسديد أو خدمة الديون.

لكن تقديم تسهيلات من أجل اقتناء أصول مالية مسعرة ربما يكون مجدياً، وقد يكون مهماً في توفير هذه التسهيلات في شكل أفضل ولقاء ضمانات مناسبة لتعزيز النشاط في سوق الأوراق المالية.

بيد أن ذلك يجب أن يواكب توفير مختلف الأدوات المالية المتداولة وليس فقط أوراق حقوق الملكية، أو أسهم الشركات، بل يجب طرح سندات التمويل في سوق ثانوية يمكن توظيف الأموال الخاصة فيها، بالإضافة إلى ابتداع أدوات أخرى منخفضة الأخطار.

وتمثل هذه التسهيلات أهمية في سوق الائتمان الكويتي نظراً إلى مشاركة العديد من المواطنين في شراء الأسهم وبيعها في سوق الكويت للأوراق المالية، على رغم أهمية ترشيد عمليات التداول وتوفير أسس أفضل بما يحد من درجات المخاطرة.

لكن توفير التمويل لشراء الأصول المالية يعد نشاطاً تمويلياً مهماً في البلدان الرأسمالية المتطورة، ويجب أن تتأسس في قطاع شركات الاستثمار الكويتي شركات متخصصة باقتناء الأصول المالية وبيعها لتلعب دور "صانع السوق" إذ تفتقد الكويت هذه المؤسسات المهمة.

وإلى تطوير عمليات التمويل الشخصية مطلوب توسيع أعمال الائتمان لمختلف القطاعات الأساسية وتعزيز دور القطاع المصرفي في عملية التنمية الاقتصادية.

فثمة العديد من المشاريع الحيوية التي تتطلب تمويلات ذات آجال طويلة بما يؤكد أهمية توفير شروط وضوابط لهذا النوع من التمويل.

وأهم من ذلك دفع عمليات التمويل المصرفي إلى أن تكون خلال سنوات بديلاً للإنفاق الرأسمالي الحكومي أو على الأقل موازية في قيمته.

لكن ذلك يتطلب معالجات بنيوية للاقتصاد الوطني وإنجاز عمليات التخصيص للعديد من النشاطات والمؤسسات التي تملكها الدولة أو تديرها.

ويمكن لتحسين بيئة الاستثمار والارتقاء بدرجة تنافسية الاقتصاد الوطني أن يجذبا المستثمرين ألأجانب، وهذا قد يؤدي إلى رفع مستوى الطلب على الائتمان.

وفيما لا يزال قطاع الصناعات التحويلية محدوداً في الطلب على التمويل ويمثل ستة في المئة من إجمالي التسهيلات الائتمانية، هو قطاع يجب أن يعزز نشاطاته بما يوجد فرصاً توظيفية لديه، ويرقّي قيمة صادراته إلى البلدان المجاورة.

ولا شك في أن تأدية القطاع الخاص دوراً مهماً في قطاع المرافق والسكن الخاص وقطاع النفط، ترفع الطلب على التمويل المصرفي.

ويتطلب التوظيف الأمثل للأموال عبر آليات التمويل تحولات مهمة في الإدارة الاقتصادية وتوزيع العمل بين القطاعين العام والخاص وربما أيضاً تعزيز الشراكة بين القطاعين في مجالات حيوية.

نقلا عن الحياة