إن حوكمة الشركات هي مجموعة من المعايير الأخلاقية والمهنية تتعلق بصفة أساسية بالعلاقة بين الشركة وأصحابها أي مجموعة القواعد والحوافز التي تراقب وتوجه الإدارة إلى تعظيم الربحية وقيمة الشركات في الأجل الطويل بالنسبة للمساهمين.
ومنذ عام 1997، ومع انفجار الأزمة المالية الآسيوية، أخذ العالم ينظر نظرة جديدة إلى حوكمة الشركات. والأزمة المالية المشار إليها، قد يمكن وصفها بأنها كانت أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم نشاط الأعمال والعلاقات فيما بين منشآت الأعمال والحكومة.
وقد كانت المشاكل العديدة التي برزت إلى المقدمة في أثناء الأزمة تتضمن عمليات ومعاملات الموظفين الداخليين والأقارب والأصدقاء بين منشآت الأعمال وبين الحكومة، وحصول الشركات على مبالغ هائلة من الديون قصيرة الأجل في نفس الوقت الذي حرصت فيه على عدم معرفة المساهمين بهذه الأمور وإخفاء هذه الديون من خلال طرق ونظم محاسبية «مبتكرة»، وما إلى ذلك.
كما أن الأحداث خلال السنوات الماضية ابتداء بفضيحة شركة إنرون Enron وما تلى ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعب الشركات في قوائمها المالية من بينها تلك المتعلقة بالقطب البارز في وول ستريت برنادر مادوف، أظهرت بوضوح أهمية حوكمة الشركات حتى في الدول التي كان من المعتاد اعتبارها أسواقا مالية «قريبة من الكمال».
وجاءت الأزمة المالية العالمية الراهنة، بما انطوت عليه من أخطاء ومخالفات تعود جلها إلى ضعف الحوكمة في المصارف الكبرى، جاءت لتجبر المشرعين في العالم على مراجعة عميقة وشاملة للأنظمة والتشريعات المالية والمصرفية على المستوى المحلي في كل دولة، وكذلك على المستوى الدولي ككل.
وقد قامت العديد من الهيئات الرسمية والخاصة المحلية والعالمية بإجراء دراسات وتحليلات شاملة لمعرفة أسباب الأزمة ومكامن الخلل واقتراح الإصلاحات، وأظهرت تلك الدراسات مجموعة واسعة من نقاط الضعف التي كانت سببا لنشوء الأزمة في الولايات المتحدة الأميركية أولا، ومن ثم تسربها وانتشارها بشكل غير مسبوق عبر جميع النظم المالية والمصرفية».
لقد أظهرت تلك الدراسات والتحليلات أن نقاط الضعف شملت مجموعة واسعة من بنية النشاطات والممارسات المصرفية، منها على سبيل المثال، ما يتعلق بالاستثمارات عالية المخاطر، وفي ممارسات التسنيد وإعادة التسنيد المعقدة، وفي ممارسات إدارة المخاطر بما في ذلك حوكمة المخاطر، وفي تحديد التركزات في الاستثمارات، وفي اختبارات الضغط، وفي ممارسات تقييم الأصول، وفي الإفصاح والشفافية، وفي إدارة السيولة، وأخيرا وليس آخرا، في دورية متطلبات رأس المال.
وقد بينت الأزمة أن العديد من المصارف لم يكن لديها رأس المال الكافي لدعم وضعية المخاطر التي اتخذتها والتي تبين لاحقا أنها فاقت بكثير ما كانت تتوقعه قبل الأزمة. وهذا بلا شك مخالف للمبادئ الأساسية لبازل 2، والمتعلقة بكفاية رأس المال.
لكن أحد الأسباب الأساسية الأخرى لتفاقم الأزمة، كان قيام عدد كبير من المصارف ذات الانتشار العالمي ببناء مديونية مفرطة داخل وخارج الميزانية.
وقد ترافق ذلك مع تآكل تدريجي لمستوى ونوعية قاعدة رأس المال، وفي الوقت عينه، كان العديد من تلك المصارف يمتلك مخزونا غير كاف من السيولة. ترافق ذلك مع خسائر ائتمانية ضخمة نتيجة التركزات في الاستثمارات الناتجة عن ضعف في إدارة التركزات، ومخاطر الأطراف المقابلة (Counterparty risk) خاصة تلك الناتجة عن الاستثمار في المشتقات ومشتقات الائتمان. وقد تضخمت الأزمة بشكل أكبر جراء عملية تخفيض الاستدانة (Deleveraging process)، نتيجة لترابط المؤسسات النظامية فيما بينها عبر مجموعة معقدة من المعاملات.
لذلك تداعت الهيئات الرقابية الوطنية والدولية لتطوير قواعد ومعايير العمل المصرفي الحالية، ووضع معايير دولية حديثة تساهم في جعل المصارف أكثر قدرة على تحمل الصدمات، عبر تحديد وضعية مخاطر المصارف بطريقة أكثر شمولية.
وقد كان للجنة بازل دورا قياديا في هذا المجال حيث قامت بإجراء تعديلات واسعة وجوهرية على الدعامات الثلاث لبازل 2، تمثلت بإصدار قواعد ومعايير جديدة، شكلت معا ما بدأ تسميته بازل 3.
وتتضمن التعديلات على الدعامة الأولى من بازل 2، تغييرات على إطار مخاطر السوق، تغييرات على إطار التسنيد، تحسين نوعية رأس المال، وزيادة احتياطات رأس المال، وتخفيض الدورية لمتطلبات رأس المال.
السعي لتدعيم المشرفين على المصارف بأدوات أكثر فعالية لملائمة متطلبات رأس المال بحسب وضعية خطر كل مصرف».
كما أن تعديلات واسعة أجريت على الدعامة الثانية شملت التركيز على المخاطر في جميع أنحاء المصرف، ومواضيع محددة تتعلق بقياس وإدارة المخاطر، ومخاطر السمعة.
وشلت التعديلات على الدعامة الثالثة التشدد في افصاحات أكبر من قبل المصارف، تؤدي إلى صورة أكثر شمولا لمخاطرها، وهذا الأمر يشكل ضغطا بشكل غير مباشر على المصارف التي تتمتع برأسمال غير كاف مقابل مستوى مخاطرها.
كما جرى التركيز في التعديلات الجديدة على الحوكمة، لما لها من أهمية خاصة، ونتيجة للمشاكل الكثيرة في ممارسات الحوكمة التي برزت خلال الأزمة. وقد شملت تلك المشاكل، على سبيل المثال، مراقبة غير كافية من قبل مجلس الإدارة والإدارة العليا، وإدارة مخاطر غير كافية، وهيكليات ونشاطات تنظيمية معقدة أو مبهمة.
ومن المجالات الرئيسية التي ركزت عليها بازل 3 في مجال الحوكمة هي التشديد على اضطلاع مجلس الإدارة بنشاط بمسؤوليته الكلية عن المصرف، بما في ذلك استراتيجية أعماله ومخاطره، وتنظيمه، والسلامة المالية والحوكمة.
كذلك قيام الإدارة العليا بالتأكد من أن أنشطة المصرف تتفق مع إستراتيجية الأعمال، وتحمل المخاطر، والسياسات التي وافق عليها المجلس، وكل ذلك تحت توجيه مجلس الإدارة.
كما يتوجب أن يكون لدى المصرف وظيفة مستقلة لإدارة المخاطر مع سلطة، ومكانة، واستقلالية، وموارد كافية، وإمكان إبلاغ معلوماتها إلى المجلس.
كما شددت لجنة بازل على الممارسات المتعلقة بالتعويضات والمكافآت في المصارف وتعزيز المقاربة الإشرافية الفعالة على تلك الممارسات والمساهمة في دعم تكافؤ الفرص.
نقلا عن اليوم