وافق مجلس الوزراء الموقر على أهداف خطة التنمية العاشرة التي ستدخل حيز التنفيذ بدءاً من العام القادم.
وتضمنت الخطة أربعة وعشرين هدفاً، تغطي احتياجات التنمية كافة على الأصعدة كافة.
والخطة العاشرة بنهايتها ستكمل المملكة خمسين عاماً من اعتماد مبدأ الخطط التنموية الذي بدأ عام 1970م. وعادة ما تكون الخطط تقديرية لاحتياجات التنمية، إلا أن التنفيذ يبقى التحدي الرئيسي الذي يواجه ترجمتها على أرض الواقع.
ومن خلال ما تم ذكره عن أهم أهدافها الاقتصادية يمكن فهم التصور القادم لما سيتم التركيز عليه كأولويات بالخطة.
فالتركيز على زيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد، ودعم نموه وتنافسيته، يعني أن التوجهات العامة تركز على خفض الاستيراد للسلع والخدمات من خلال زيادة إنتاجها محلياً؛ ما يتطلب جهداً كبيراً من قِبل جهات عديدة، يفترض أن ترفع من مستوى التنسيق والتكامل بينها، ويأتي على رأسها وزارة التجارة والصناعة من خلال رفع عدد المصانع من مستوياتها الحالية التي تقارب 6000 مصنع؛ لتصبح أكثر من ضعف أو ضعفين على الأقل، مع الاهتمام بنوعية منتجاتها ومدى حاجة السوق أولاً لها، وكذلك دعم قدرات المنتجات المحلية على التنافسية محلياً وخارجياً، إضافة إلى وضع حلول عديدة لزيادة مرونة العمل التجاري عموماً، وإصدار الأنظمة المطورة له كنظام الشركات المقترح منذ سنوات، غير أن لوزارات أخرى أدواراً لا تقل أهمية عن التجارة والصناعة، كوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، فنحن من الدول التي تستورد بالمليارات سنوياً أجهزة تقنية وإلكترونية، ومن المفترض أن تنتقل صناعاتها للمملكة لما لها من إضافة مهمة للاقتصاد.
والأمر ذاته يتعلق بالهيئة العامة للاستثمار التي يؤمل منها جذب استثمارات نوعية ذات قيمة مضافة على صعيد نوعية المنتج وفرص العمل، ولا يمكن إغفال أدوار الجهات التعليمية التي يمكن تفعيل دورها بتحسين مخرجات التعليم، من خلال تحديد احتياجات الاقتصاد للتخصصات المهنية والأكاديمية، مع أهمية تطوير أداء الأجهزة الحكومية بالجوانب التي ترفع إنتاجيتها، بما يخدم النمو الاقتصادي عموماً.
فالخطة القادمة ركزت على هذا الأمر، لكن ربطه بدعم النمو الاقتصادي سيكون له أثر فاعل بتنفيذ الخطة من خلال تقليص الأنظمة البيروقراطية، والتوسع في استخدامات التقنية، وتوسيع دور الحكومة الإلكترونية؛ ليشمل أغلب الخدمات التي يحتاج إليها القطاعان الخاص والأفراد.
أما الهدف الرئيسي الآخر الذي تناولته الخطة، والمتعلق بتوفير السكن للمواطن بطرق ميسرة، وبخيارات عديدة، فتحقيقه سيكون له انعكاسات عديدة، ليس على الأسر واستقرارها بل حتى برفع وتيرة التنمية، من خلال التوسع بأعمال البناء للمساكن وما لذلك من دور بجذب الاستثمارات، وتوفير فرص عمل.
لكن الوصول لتحقيق الهدف ليستفيد منه الشرائح كافة يتطلب الإسراع بإقرار استراتيجية الإسكان، وتنظيم قطاع التطوير العقاري، وإزالة العقبات التي تواجهه، كالتمويل أو السرعة بترخيص المخططات التي يأخذ بعضها سنوات، مع تطوير الأنظمة التي تمنع بقاء الأراضي بيضاء لسنوات طويلة، التي تقع ضمن النطاق العمراني، والاتجاه نحو إيجاد أدوات تمويل متعددة، لا ترهق الأسرة بتكاليفها، ووضع برامج إسكان مطورة، سواء من وزارة الإسكان أو القطاع الخاص.
فالخطة كونها تضع توفير السكن وفق عنوان أن يكون ميسراً تتطلب استكمالاً لأدوار كل الجهات التي لها دور بقطاع العقار عموماً.
أما ما يرتبط برفع مستوى الشفافية ومكافحة الفساد فهو أمر في غاية الأهمية؛ إذ إنه مرتبط بكل تفاصيل خطة التنمية، والعامل الأهم لتحقيق أهدافها وإنجاز أكبر قدر منها؛ ما يوفر بيئة مساندة لزيادة الاستثمارات وتحسين أداء القطاعين العام والخاص. والدور يبقى على الأجهزة الرقابية المعنية بتعزيز قدرات كوادرها البشرية، وكذلك فحص الأنظمة واللوائح لتعديلها بما يسد أي ثغرة محتملة تفتح باباً للفساد أو الخلل بتنفيذ المشاريع أو استغلال الوظيفة لمكاسب خاصة.
خطة التنمية العاشرة أهدافها متنوعة، وتبدو إيجابية بالمطلق، لكن وضع الخطط ليس بالأمر المعقد؛ لأن التنفيذ هو ما سيحكم على ملاءمتها للمجتمع والاقتصاد عموماً، من خلال قدرة الاقتصاد بكل جوانبه، وما يؤثر به على تحويلها إلى واقع ملموس.
فهل تأكدت وزارة الاقتصاد والتخطيط من القدرات الموجودة حالياً لتنفيذ الخطة؟
وهل استعدت لتدارك أي خلل يشوب تنفيذها، ووضعت الحلول المحتملة لعلاج أي قصور أو تحدٍّ قد يواجه مراحل التنفيذ؟ هذا ما ستحكم عليه النتائج بنهايتها بعد خمس سنوات، وما سيظهر أيضاً بتفاصيلها عند نشرها رسمياً لمعرفة تفاصيلها.
نقلا عن الجزيرة