سيقول قائل: هل يوجد اقتصاد خليجي مدمج ومتكامل بين الدول الست حقيقةً؟ لا أعرف ما رأي الآخرين، في وجهة نظري فالإجابة تتلخص في كلمات: مشروع التكامل الاقتصادي الخليجي توقفه متكرر، تماماً كباصات خط البلدة.
وسيستشهد البعض باللغط السياسي الدائر مؤخراً، لكن المشروع عمره أكثر من ثلاثة عقود، ومنطقتنا لم تخل يوماً من المحن والاحن، لعلها لم ترتق لما شهدناه خلال السنوات الثلاث المنقضية وما زلنا، لكنها منطقة تكتنفها التوترات من كل جانب، فليس في ذلك جديد، بمعنى أننا إن كنا سنربط تقدم تكامل الاقتصاد الخليجي بملفات السياسة فقد لا نصل!
وإن كنا سندع مشروع التكامل الاقتصادي الخليج يرتهن لنوبات التسخين والتبريد في منطقتنا، فكذلك قد لا نصل لما نريد بل قد نتهم بأننا غير جادين.
وهناك من يرى من البداهة ربط كل المسارات الخليجية سوياً، بمعنى أن تتقاطع التفاهمات السياسية مع الاقتصادية وهكذا، لكن يمكن بيان أن وجهة النظر هذه غير عملية، فهي التي تؤدي للتوقف المتكرر.
وهنا تكمن النقطة تحديداً: علينا التخلي عن تشابك المسارات؟ فما اتفقنا عليه فقد اتفقنا عليه وانتهى الأمر، ولا داعي أن نعيد التأكيد على اتفاقنا عليه كل ستة أشهر وإلا سيعتبر بعض المتابعين أن الاتفاق سقط.
والقمة الخليجية ستعقد مع نهاية العام، ولعلنا نطلق عليها قمة «فك المسارات» أو «قمة إطلاق وانطلاق اقتصاد الخليج»، بهدف شحذ الهمم ودفع عجلة التنفيذ للتكامل الاقتصادي، ولملمة ملفاته وانجازها، فالوضع التنافسي لدول المجلس لا يسمح باقتصادات متشابهة متنافسة، فهذا سيضع دول المجلس على مسارات متعارضة فيما بينها دون شك، والسبيل لتحقيق أكبر المكاسب يكمن في أن تدمج دول المجلس اقتصاداتها، دون المساس بالسيادة الوطنية لكلٍ منها.
فالتكامل الاقتصادي سيقلب التنافس إلى تعاون ومصلحة مشتركة، وسيجعل منطقتنا مرتكزا أساسا في الاقتصاد العالمي، والسبب أننا سنفكر سوياً وسنخطط سوياً وسننفذ سوياً، وسنسعى لاستقطاب أسباب القوة الاقتصادية سوياً. أما حالياً، فنحن ستة اقتصادات بستة توجهات، أي نعم بينها تنسيق للجان وزارية تلتئم وتنفض ولكن يبقى لكلٍ استقلاليته؛ فما يدور ليس ملزماً.
وهناك من يظن أن هذا الطرح بعيد عن الواقعية: فالسماء فيها سحابات سود تتربص، فكيف نهملها ونفكر في أمور كالاقتصاد وما شابه؟
أقول: ان قمة الابتعاد عن الواقعية هو تفويت المصالح ذات الأثر الممتد للمدى البعيد، والابطاء في تنفيذ مرتكزات التكامل الاقتصادي الخليجي ليس له ما يبرره، بل بالعكس؛ فالتراخي في التنفيذ يرسل إشارات واضحة بأننا لسنا متأكدين مما نحن مقدمون عليه!
ومع ذلك ستجد مَنّ يقول إن الشراكة الاقتصادية تتطلب الدخول في بعضنا البعض «طول بعرض»؟ لكن ذلك ليس شرطاً؛ فالشرط الوحيد اللازم هو أن نتعاون لتنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة والملفات المرتبطة بها بثبات وحماس وإقدام وعدم تردد.
ما نحن فيه –أعزتي- حالة يمكن تسميتها بـ «لازمة التنحي الاقتصادي»، فما أن تنطلق بادرة (تسخين) حتى تأتيك بعد فترة وجيزة إشارة معاكسة (تبريد)، لنأخذ مثلاً: فحين تعرض اليورو لنكسة إبان الأزمة المالية العالمية، كان أول ما تأثر، وبدون مبالغة، ملف العملة الخليجية الموحدة! إذ ما لبثنا أن أخذنا نسمع تصريحات خليجية بأن علينا التريث حتى نرى ما ستخلص إليه أزمة اليورو! للوهلة الأولى ظننت أننا أعضاء في منطقة اليورو.
نعم نتابع أمر اليورو، ولكن لم يك هناك أي مبرر يستوجب عملياً إيقاف التقدم في خطوات إطلاق العملة. الآن، اليورو خرج من دوامة الشك، فما الذي فعلناه؟ لا شيء، ابقينا على ملف عملتنا بارداً.
الأمثلة عديدة، وليس قصدي الدخول في أنفاق سوداوية بل أقول إن تعطيل ملفاتنا الاقتصادية عند كل منعطف وكل «دحديرة» وكل «صعدة» يعني حقيقة أن مشروعنا الاقتصادي لن يتحقق، فمن يضمن أن الطريق سيكون أمامنا سالكاً هادئاً طوال الوقت؟
ثم علينا إدراك أن ملف التعاون بين دول المجلس متعدد المرتكزات، فهو بالتأكيد ليس أمنياً فقط، بل يمكن الجزم أن المرتكز الأمني لا يجب أن يكون هو صخرة الرحى، فما بين دول المجلس شأن متعدد المرتكزات، والأقرب أن صخرة الرحى اجتماعية، فالمنطلق هو ما بين مواطني دول مجلس التعاون من تطابق ومن قواسم مشتركة، والاقتصاد ليس إلا ظاهرة اجتماعية في الأساس، وتعطيل أو تبطيء أو تبريد ملفاته هو تعطيل وإبطاء وتبريد للصلات والقواسم المشتركة بين المجتمعات في الدول الست.
وهكذا، فليس خيارا أن نجعل التقدم في الملف الاقتصادي قائماً على شرط وهو صفاء الأجواء في بقية الملفات.
لنستذكر أن المسئولين في دول المجلس يجتمعون كثيراً لمناقشة شئون المجلس، والشأن الاقتصادي يعني ماء وكهرباء ونفطا وزراعة وصناعة وفرص استثمار وتوظيف واستيراد وتصدير وعملة، أي التداخل في حيواتنا اليومية ومصالحنا التفصيلية على مستوى الأفراد وشراكاتهم ونجاحاتهم وريادتهم، وبالقطع لا أحد يريد لهذا التداخل أن تتقلب حالته بين إقدام وإحجام ومد وجزر؛ فليس أضرّ للأعمال من الدخول في حالة من الضبابية وعدم اليقين.
نقلا عن اليوم