تشرف كاتب هذه السطور برفقة وفد سيدي سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في رحلته لفرنسا والتى اختتمت يوم الخميس4 سبتمبر ، وهي رحلة سيكون لها مابعدها على كافة الأصعدة.
فعلى الصعيد الاقتصادي خاطب سمو الأمير سلمان مجلس رجال الأعمال السعودي الفرنسي، مذكراً إياهم بضرورة الدعوة للاستثمار بالمملكة مشيراً الى أن بيئة الأعمال بالمملكة صارت أكثر من جاذبة لجهة قوة الاقتصاد السعودي الذي لامس الناتج المحلي الإجمالي فيه 42 مليار يورو وتجاوز الاحتياطي الأجنبي 500 مليار يورو فضلاً عن انفتاح المملكة على الاستثمارات الأجنبية ،وهو انفتاح يستدعيه التوسع الاستثماري في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية مثلما يستدعيه الربط الهائل فيما بين المدن وهو الأهم في تاريخ المملكة لاستهدافه تقوية البنية التحتية بصورة شمولية ،وفتح أسواق الأسهم للاستثمار الأجنبي وهي أسواق يقارب حجمها أكثر من ( 560)مليار دولار.
عدّد سموه الأدوار الاستراتيجية للمملكة في أسواق الدول النامية من حيث توفير الاستقرار بمنطقة مضطربة ومن حيث الحفاظ على تدفق النفط للأسواق والحفاظ على ثبات أسعار الطاقة، وهي حقائق يصدقها واقع المملكة ثم تحدث سموه عن التنمية المستدامة وفرصها التي توفرها المنشآت الصغيرة والمتوسطة وحث الفرنسيين على الاستثمار في الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية والنووية وختم خطابه بالإشادة بالتعاون الاستثماري والشراكة بين فرنسا والمملكة مركزاً على روح الابتكار الفرنسي وحرص حكومة خادم الحرمين على توفير بيئة جاذبة للاستثمارات والمستثمرين.
كانت ردة الفعل على دعوة ولي العهد ترحيباً وارتياحاً وهي جاءت مواتية من حيث التوقيت ومن حيث قوة الاقتصاد السعودي ونموه وتطوره وطرحه فرصاً استثمارية مدهشة بينما الاقتصاد الأوربي في وضع يماثل عدم (اليقين) أو حالة تشابه حالة مصاب (بالأنيميا) يتأرجح بين الخوف من كل شيء والرغبة في استغلال كل فرصة تلوح وهو وضع له مبرراته إذ إن الأرقام المنشورة عن أداء معظم الاقتصادات الأوربية تؤكد أنها لم تتعافَ بعد من نكسة 2008م ، فالاقتصاد الألماني وهو الأقوى أوربياً أرقامه المعدلة تشير إلى تقلصه في الربع الثاني من هذا العام ومثله الاقتصاد الإيطالي الذي عاود الانزلاق نحو الدخول في الجمود وأما أداء الاقتصاد الفرنسي الصناعي بالذات فإنه فى أدنى مستوى له خلال 15شهراً ولكن التضخم فيه يشير إلى الصفر مما يعني أن الناس (جيوبها فاضية) ولم تعد تصرف وأن الطلب على المنتجات والخدمات منخفض جداً، وهذا الوضع يمكن وصفه بأنه ناتج من(توهم) المرض إذ رغم رسوخ الاقتصاد الفرنسي شخصت أوضاعه الاقتصادية بأنها تعاني حالة غير موجودة و(يوسوس) بأمراض (متوهمة) وتفترض فرنسا أنها تحتاج لسياسات (تقشفية) وفاء لما وقعت من إتفاق يحد من الصرف الحكومي الأوربي اعتقاداً منها أن اقتصادها يعاني (صرفاً بذخياً) وعلاجه انتهاج سياسات تقلص من الإنفاق الحكومي بينما معدل التضخم الفرنسي الحالي ينصح بالعكس بأن تنفق الدولة حتى لا يصبح جيب المستهلك خالياً وينعكس انخفاضاً أعمق في معدل الطلب وإن صح هذا الاستنتاج فإن فرنسا تحتاج لسياسات مغايرة تشجع الانفتاح الاستثماري الداخلي والخارجي وأتتها الفرصة في أسواق واعدة كأسواق المملكة واقتصادها، والمملكة تعتبر نموذجية لأنها صاحبة تجربة في الإنفاق الاستثماري الناجح وهي قدوة بالاستقرار واستيعاب سلبيات السياسات التقشفية التي(تكعبل) الدورة الاقتصادية وتحد من النمو وتبطئ التقدم الاقتصادي وعلى كل إن لم تبادر الدول الأوربية بتغيير سياساتها فإن المصير الذي تعيشه سيكون محصلة طبيعية لسياسات التقشف الحالية وستزيد من معدلات البطالة وتراجع أرقام الطلب العام ولهذا تبني أوربا للعكس هو القرار الأصوب، فضلا أنه عقب كل نكسة اقتصادية لابد للقطاع العام من الإنفاق ليسهم في تعافي الاقتصاد وإن لم يفعل فإن الشركات الخاصة لن تتوسع في الاستثمار ولن توظف أيدي عاملة ولهذا السياسات التقشفية الأوربية ستضر بأداء الاقتصاد الألماني والإيطالي والفرنسي وحيث أن هذه اقتصاديات بمثابة القلب الاقتصادي للسوق الأوربية فإن سائر الاقتصاد الأوربي سيتأثر.
السيدة انجيلا ميريكل عرفت بالقدرة على قيادة الاقتصاد الألماني للنجاح وعرفت بالذكاء وأرجو أن لا يخونها ذكاؤها باتباع سياسات تقشفية تقود حتما لسلبيات كارتفاع أسعار الأسهم واسعار العقار وأسعار الاقتراض والحال كذلك لابد من افتراض مقابل بأن الشركات الكبرى والمصارف ذات النفوذ تؤثر في سياسات المستشارة الألمانية وزملائها لأن استمرار ارتفاع أرباح البنوك والشركات الخاصة يرجح هذا الافتراض فهي توزع أرباحاً على المساهمين وحوافز سخية على المديرين مما يعني أن التوجه الأوربي الجديد بقيادة ميريكل يخدم هذه الشريحة الضيقة وإن استمر ذلك سينعكس تآكلاً للطبقة الوسطى الأوربية ونعرف أهمية الطبقة الوسطى لأي اقتصاد وكذلك للاستقرار الاجتماعي.
إن زيارة سيدي ولي العهد لفرنسا ستشكل نقطة انطلاق وتحول أساسي بكافة المجالات وستجد دعوة سموه للاستثمار بالمملكة صدى واسعاً في ظل فرص اقتصادية مغرية سيتجاوب معها قطاع الأعمال الفرنسي لأنه في حاجة لها ولأنها ستفيد بلا جدال قطاع الأعمال الفرنسي وسيعود ذلك كله بالخير على الدولتين والشعبين ولن يؤثر فيه انتهاج بعض الدول الأوربية ومنها فرنسا سياسات انكماشية.
نقلا عن المدينة