العملة الخليجية الموحدة ودرس اليونان

15/02/2010 6
خالد أبو شادي

منذ نحو ثلاثين عاما هى عمر مجلس التعاون الخليجى والذى خرج للنور فى اوائل الثمانينات من القرن الماضى وحلم العمله الموحده يراود القاده كما يراود الشعوب ذاتها، وعلى الرغم من كون هذا الامر تتحكم فيه عده عوامل اقتصاديه وخطوات تمهيديه لا غنى عنها حتى يكون فاعلا عند خروجه للعلن الا ان العثرات التى واجهت مشروع العمله الموحده كانت كفيله بتأخيره لا القضاء عليه، فبدايه من انسحاب سلطنه عمان عام 2006 بسبب كونها دوله ناميه ولا زالت تتلمس بدايات الطريق حيث ان الاشتراطات والمعايير خصوصا فيما يتعلق بالتضخم والاقتراض وعجز الموازنه سيصعب الوفاء بها، انتقالا الى فك ارتباط الدينار الكويتى بالدولار الامريكى عام 2007 انتهاءا باحتجاج الامارات على الرياض كمقر للبنك المركزى الخليجى وبالتالى انسحابها من العمله رسميا وعلى الرغم من تصريحات سلطان السويدى محافظ البنك المركزى الاماراتى انه توجد اسباب اخرى منها ان القرار كان سياسيا اكثر منه اقتصاديا، اضافه الى ان نصيب الامارات من حركه التحويلات العالميه فى منطقه الخليج يصل الى 50% اضافه الى كبر حجم الودائع داخل البنوك الاماراتيه التى تجعل احقيتها باستضافه مقر المركزى الخليجى لا جدال فيها.

ورغم هذه الاسباب الا ان العثرات الكبرى لا زالت تتمثل فيما احتذى به مجلس التعاون نفسه، والمقصود هنا بالطبع التجربه الاوروبيه والتى انتظرت نصف قرن حتى ترى عملتها الموحده النور، والتعويل هنا ليس على طول المده فحسب بل على الخطوات التمهيديه السابقه للخطوه الاخيره ذاتها فالسوق الاوروبيه المشتركه وحجم التبادل التجارى بين الدول الاوروبيه قبل صدور عمله اليورو يناقض تماما التجربه الخليجيه التى لاتزال ضعيفه من ناحيه التجاره البينيه الى حد كبير حيث الارقام لا تتجاوز 6% بينما كانت عشره امثال هذا الرقم بين دول الاتحاد الاوروبى، ومن اللافت للنظر ان المعايير التى حددها مجلس التعاون الخليجى هى نفسها معايير الاتحاد الاوروبى والتى تم اقرارها فى ماسترخت الهولنديه على الرغم من عدم جاهزيه الدول رسميا لذلك خصوصا فيما يتعلق بالتضخم وضبط مستوى الاسعار وربط العمله بالدولار ام تعويمها ام ربطها بسله من العملات وعجز الموازنه العامه وحجم الديون والاحتياطيات النقديه ؟؟

والسؤال الاهم هل سيكون للبنك المركزى الخليجى استقلاليه تامه فيما يخص السياسات النقديه دون اى تدخل سياسى؟؟ وهل ستكون هناك شفافيه حقيقيه فى التعامل مع الاحداث؟؟؟

والسؤال الاخير هذا يدفعنا الى الماضى القريب حيث التعامل مع قضيه مجموعتى سعد والقصيبى خصوصا من جانب مؤسسه النقد السعودى والتى لم تعلن عن تعرض البنوك السعوديه صراحه لديون الشركتين، حتى منذ بدء الازمه العالميه فلقد واجهت المستثمر الخليجى شكوك التردد والحيره حيال تعرض اقتصاديات المنطقه بأسرها لتلك الازمه الماليه نتيجه لشح البيانات وعدم الافصاح والشفافيه والتى تعد اشكاليه مزمنه على مستوى الحكومات والشركات.

ولان اقتصاديات المنطقه تعتمد اساسا على النفط استخراجا وتصنيعا وتصديرا فان ذلك يمثل اشكاليه اخرى حيث تقلب سعر النفط وعدم استقراره وتدخل العوامل السياسيه الى حد كبير دائما فى صعوده وهبوطه وعلى الرغم من امتلاك دول الخليج ما يزيد عن 36% من الاحتياطى العالمى وكون قطاعى الغاز والنفط يمثلان 63% من الايرادات الحكوميه وحوالى 41% من الناتج الاجمالى المحلى  لدول الخليج على الرغم من سعى الدول نفسها لتنويع مصادر دخلها الا ان النفط لا يزال هو سيد الموقف رسميا ولا تزال الميزانيات الحكوميه الخليجيه يتم تحديدها على سعره بالاساس على عكس الاقتصاد الاوروبى الذى يحمل تنوعا كبيرا فى مصادره اذا اردنا المقارنه.

لكن فى المقابل تبقى اشكاليه هامه وهى مدى استفاده اوروبا من تجربه الوحده خصوصا مع الازمه الماليه التى ضربت العالم اجمع؟؟

وفى قراءه بسيطه لاحدث الارقام التى صدرت نجد ان اوروبا رغم كل الترتيبات والخطوات التى اتخذتها قبل اصدار عملتها الموحده نجد انها تئن دون ان يعلو صراخها من الالم بعد. فان ارتفاع اليورو – بشكل شبه منتظم - امام الدولار خلال السنوات الماضيه جعل العمله تتحكم فى الدول لا العكس فها نحن نرى المانيا عملاق الصادرات تتخلى من مركزها الاول عالميا لصالح الصين التى تتحكم فى عملتها بشكل متقن تماما وتستطيع رفعها وخفضها حسب مقتضيات الامور لكن الامر مختلف تماما بالنسبه لليورو الذى تم تركه لمقتضيات العرض والطلب ونظام السوق الحر.

وها هى المانيا تخرج صفر اليدين فى القراءه التمهيديه للناتج الاجمالى المحلى خلال الربع الرابع من عام 2009 مقابل 0.7% للربع الثالث، وبالكاد هربت قراءه دول الاتحاد الاوروبى ككل من براثن الانكماش ايضا بتحقيق نمو هزيل قدره 0.1 % خلال الربع الرابع مقابل 0.4% للربع الثالث اما اليونان - حديث العالم الان - فحققت انكماشا قدره 2.6% ناهيك عن عجز موازنتها الكبير والبالغ 12.7%، رغم خطط التحفيز التى اقرتها الدول الاوروبيه وبرنامج التخفيف الكمى الذى وضعه المركزى الاوروبى الا ان اوروبا ظلت تئن وتتوجع فهل ستستطيع انقاذ نفسها؟؟

اللافت للنظر فى قضيه اليونان ان قوانين الاتحاد الاوروبى تمنع مساعده الدول بعضها البعض، وها نحن فى اول اختبار حقيقى نجد القوانين تُوضع جانبا وتتدخل السياسه وتتحكم فى مجريات الامور رغم التصريحات الكثيره عن ان اليونان ستحل مشكلتها بنفسها وهو ما لم يحدث ولن يحدث، وماذا سيفعل الاتحاد الاوروبى وخصوصا المانيا وفرنسا مع عجوزات اسبانيا والبرتغال وايرلندا وايطاليا؟؟ لان اليونان هى الاسم الاكثر تداولا فقط لكن من الواضح ان القائمه ستطول قريبا.

علينا أن نضع نصب اعيننا هذه التجارب وان ننتظر كى نرى نتائجها وكيفيه التعامل معها فمجريات الاحداث وتطورات الواقع من الواضح انها تفرض ذلك لاننا فى كل الاحوال نريد توحدا واتحادا، فبحكم التاريخ واللغه والدين قبلهما نحن اقرب الى الوحده وحيثياتها لكننا من منطلق العقل نريد ان نخطو باتزان وببرنامج عملى يتم تنفيذه بعيدا عن تدخل السياسه فلربما تكون هذه العمله المنتظره بذره لشجره المستقبل التى ستستظل تحتها بقيه دولنا العربيه بعد طول تفرق وتشرذم.

ويبقى فى النهايه ان اشكر الاخ الفاضل السيد السعدنى الذى نبهنى الى اهميه الموضوع وسط متاهه متابعه تحرك الاسواق العالميه.

دام لنا بخير ودمتم حضراتكم كذلك