مع استمرار تحرك السوق أخذ التفاوت في الهواجس يتضح؛ وغدا الناس بين خائف من أن يتراجع المؤشر فيخسر حقيقة ما كسبه على الورق، وبين متوجس من أنه إن لم يدخل فسيفوته الفوت يوم ما ينفع الصوت عندما يسبقه الأجانب ممن سيستثمرون في السوق عندما يُفتح لهم! في العام 2006 سقط سوقنا رأسياً، وتأثر نتيجة لذلك عشرات الآلاف، وتبخرت عشرات المليارات.
كان هناك من يظن أن السوق سيرتد خلال أشهر، لكن كان واضحاً منذئذ -وبالاستفادة من التجارب الدولية المشابهة- أن الأمر قد يستغرق سنوات عديدة، فهل ما نراه هو تعافٍ للسوق؟ نتمنى ذلك، ولاسيما أن اكتساب المؤشر للأرض المفقودة أو لبعضها كان عبر رحلة صعبة، فقد تراجع في فترات لما دون مستوى السقوط الرأسي للعام 2006، وفي فترات تدنى التداول لحدود المليار الواحد بعد أن كانت نحو خمسين مليارا تقلب الأيادي في اليوم الواحد في أوج نشاط السوق. و»اليوم عاد»، كما تقول الأغنية، فهل عاد حقاً؟
هناك من يريد أن يفسر نشاط سوق الأسهم بحدث بعينه أو عامل واحد، لكن ذلك سيكون تبسيطا لسلوك السوق، فسوقنا شأنه كأي سوق أوراق مالية آخر، يتأثر بجملة عناصر وأحداث تكون محصلتها صعودا أو هبوطا، ولاشك أن تلك العناصر والأحداث تتفاوت في درجة تأثيرها.
وهكذا، فسلوك سوقنا المالية ليس ناتجا لمجرد صدور قرار مجلس الوزراء السماح لمؤسسات الاستثمار الأجنبية بدخول السوق، رغم أنه قرار جوهري كان له تأثير إيجابي أحدث قفزة في المؤشر استمرت حتى يومنا هذا، ورحبت دوائر المستثمرين المحلية والدولية بالقرار، وتناولته بإيجابية الصحف العالمية وأصدرت ملاحظات بحثية بشأنه كبريات بيوتات الاستثمار، ومع ذلك فليس وحده ما أحدث صعود المؤشر.
وقبل أن يأخذنا الحماس فلابد من تذكر أن مازال بين المؤشر وقمة أدائه نحو عشرة آلاف نقطة!
لكن السوق أخذ يسترجع النقاط نقطة نقطة وبشق الأنفس، بل أنه مارس لأشهر عدة رقصة «حبة فوق وحبة تحت» فيما يعرف بين المتعاملين بـ «حَلّب» السوق، وعانى من موجة انتفاخ نشاط مضاربي قطاع التأمين، الذي حرق أصابع كثيرة، وكسب منها كثيراً باعة «التواصي» والساعون لتحريك مجموعات من المتعاملين في وقت واحد وباتجاه واحد لتتحرك قيمة السهم المستهدف في ذات الاتجاه وبذلك يُحلب السوق وهو كاره!
لكن حتى هؤلاء ليسوا هم من أثروا على السوق ليأخذ نمطاً صاعداً؛ إذ أن تأثيرهم يكاد أن يكون لحظياً، أما موجة السوق الصاعدة فقد كانت متئدة، بزغت منذ بدايات 2009. نعم، ليس على وتيرة واحدة لكن سلوكه كان صعوداً بالإجمال.
ويبدو أن المؤثر الأهم كان الانفاق المتعاظم للخزانة العامة للدولة الذي سبق تلك الحقبة واستمر دونما انقطاع، وارتكز لعدم التردد في اتخاذ قرار مفاده أن تجاوز تبعات الأزمة المالية العالمية لا يكون إلا بحفز الطلب لدفع النمو الاقتصادي، وبالفعل فقد كان الأداء الاقتصادي إيجابياً دونما انقطاع حتى في أوج تلك الأزمة، كما تبين إحصاءات نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة.
وبالقطع فإن أموالاً مهمة انتقلت للقطاع الخاص نتيجة للارتفاع القياسي في طلب القطاع الحكومي على السلع والخدمات (بما فيها العقود والمقاولات التي تنفذ من خلال القطاع الخاص)، لاسيما أن تلك الحقبة شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في الانفاق الرأسمالي للحكومة لتحديث واستكمال البنية التحتية وللإنفاق على العديد من المشروعات التعليمية والصحية والنقل إجمالاً.
وأمام محدودية الخيارات الدولية وحتى الإقليمية فقد أخذ القطاع الخاص يتجه بسيولته لاستثمارها محلياً: تارة في العقار والأراضي، وتارة في الأوراق المالية، وأخرى في تطوير مشاريع استثمارية من العدم. وهذا أمر تسانده الإحصاءات التي تبين أن تكوين رأس المال الثابت (الأصول الثابتة) فقد نما ليتجاوز 700 مليار ريال خلال الفترة 2009-2013، مساهمة القطاع الخاص منها تتجاوز 300 مليار.
وهكذا، فمن المبرر القول إن تحسن أداء المؤشر لم يحدث صدفة أو نتيجة لحدث «سحري» بعينه أو لقرار محدد بل محصلة للإصرار أن يستعيد السوق الثقة به عبر الارتقاء بأدائه ولن يتحقق ذلك إلا بتوفر عوامل أساسية وقرارات متسقة.
ولعل من المناسب القول إن الدافع لذلك هو أن الحكومة تعول على انطلاق «المارد» من رحم السوق المالية، وهذا يشترط إقبال المستثمرين والمضاربين على السوق والتفافهم حوله برتابة وليس متقطعا لجني الأرباح. ومع ذلك يبدو أن السوق بحاجة لتحقق أمرين اثنين ليواصل صعوده المتسق:
1. استعادة «المستثمرين الأفراد» من خلال برنامج خصخصة للأسهم المملوكة للحكومة، على نسق خصخصة برتيش تيليكوم.
2.وضع سياسات وضوابط للحد من التشويش الذي تحدثه تقلبات سوق الأراضي المخططة والخام، فهذه تقفز فجأة لتروج لفرص «تاريخية» فتنتزع مليارات من السوق المالية، وبعدها تصاب السوقان (الأسهم والأراضي) بالإحباط، حتى غدت هذه متلازمة يمكن تسميتها «متلازمة تبادل الإحباط بين الأسهم والعقار».
نقلا عن اليوم