مواجهة النمو الديموغرافي من أبرز التحديات الاقتصادية

14/08/2014 1
عامر ذياب التميمي

عندما ننظر جيداً الى أوضاع كثير من الدول في مختلف مناطق العالم أو قاراته، خصوصاً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو بلدان جنوب الصحراء، حيث تتزايد أعمال العنف وتتفشى مظاهر الفقر والأمراض السارية، نتساءل كيف يمكن مواجهة الأعباء والمحن بعد إرتفاع عدد سكان العالم خلال السنوات والعقود المقبلة.

تشير الإحصاءات إلى أن عدد سكان العالم يبلغ الآن نحو 7.2 بليون، ويتركز في بلدان مثل الصين والهند والولايات المتحدة وأندونيسيا والبرازيل.

ويذكر علماء الديموغرافيا طروحات ونظريات مالثوس وتحذيراته في شأن النمو السكاني عندما كان عدد السكان لا يزيد على بليون، حيث توقع في القرن السابع عشر أن العالم مقبل على كارثة معيشية نظراً الى تزايد عدد سكانه بموجب متوالية هندسية، في حين يظل النمو الإقتصادي يسير بموجب متوالية حسابية، ومن ثم لا طاقة للموارد الطبيعية أن تواكب حاجات الأعداد المتزايدة من البشر.

كانت نظريات توماس مالثوس، العالم البريطاني، تتناقض مع طروحات المنظرين الإقتصاديين في زمانه والذين أبدوا تفاؤلاً بالآفاق الإقتصادية العالمية.

يذكر ان سكان العالم ظلوا في تزايد منتظم منذ نهاية المجاعة الرهيبة التي مرت بها بلدان عدة عام 1350. في ذلك الوقت كان عددهم لا يزيد على 370 مليوناً، وبلغ النمو أعلى معدلاته خلال الخمسينات من القرن العشرين حيث زاد عن 1.8 في المئة سنوياً، واستمر على هذه المستوى خلال الستينات والسبعينات.

وتشير الإحصاءات التاريخية الى أن معدل نمو سكان العالم بلغ المستوى الأقصى عام 1963 حيث كان 2.2 في المئة.

أما اليوم فالنمو لا يزيد على 1.1 في المئة سنوياً. وتبلغ أعداد الولادات 134 مليوناً سنوياً والوفيات 56 مليوناً، ليكون معدل الزيادة السنوية نحو 78 مليوناً. لكن هذه الزيادة أصبحت تتركز في البلدان الآسيوية والأفريقية، وهي تتسارع في بلدان العالم الثالث.

ولا شك في ان الأوضاع الصحية في هذه البلدان تحسنت خلال القرن العشرين وإزداد أعداد المتعلمين فيها وانخفضت أعداد الوفيات بشدة.

لكن ما تعانيه هو تدني معدل دخل الفرد وتخلف المفاهيم والقيم التي تحكم نظام الأسرة وتحديد النسل والعناية بالأطفال والإرتقاء بنوعية الحياة. لذلك فإن تسارع النمو السكاني لدى البلدان الأقل تطوراً يزيد الأعباء والتكاليف الإجتماعية ويرفع معدلات البطالة إلى مستويات غير مقبولة.

قد يرى عدد من الإقتصاديين أن الزيادات السكانية في البلدان النامية لا تمثل مشكلة معقدة وإن معالجاتها لا تتم من خلال المفاهيم التقليدية لتنظيم الأسرة والسيطرة على النسل، بل في تبني مفاهيم التنمية الشاملة والمتوازنة، أي أن المطلوب هو توسيع نطاق الإنفاق الرأسمالي وزيادة مخصصات التعليم والرعاية الصحية وتحسين بيئة الأعمال والتركيز على الأنشطة الإقتصادية المجدية.

هؤلاء يؤكدون أن معدل النمو السكاني لا بد من أن يتراجع في بلدان العالم الثالث عندما تتحسن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية فيها مع زيادة الوعي والتقدم على مستوى الفرد والأسرة.

لا شك في أن هذه الطروحات تتمتع بقيمة علمية على ضوء تطور البلدان الصناعية خلال القرنين الماضيين وبعد الثورة الصناعية.

كذلك تؤكد بيانات ديموغرافية عن الصين، هذه المؤشرات حيث إنخفض معدل النمو السكاني إلى مستوى دون الواحد في المئة سنوياً.

كذلك ارتفعت أعداد كبار السن أي الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً حيث بلغت نسبتهم من السكان 9.5 في المئة عام 2013.

ويتحقق ذلك بفعل إنتقال الإقتصاد الصيني خلال العقدين الماضيين إلى إقتصاد صناعي متطور بعد تخفيف قيود النظام الإشتراكي.

ولكن هناك القيود التي فرضت بعد الثورة الثقافية في عهد ماو تسي تونغ والتي أكدت ألا يزيد عدد أطفال الإسرة على واحد، وطبقت قسراً.

بيد أنها أصبحت إعتيادية خلال السنوات الأخيرة بعد أن أدت التطورات الإقتصادية إلى تبني مفاهيم وقيم أسرية وإجتماعية مختلفة عن المفاهيم التقليدية التي حكمت المجتمع السكاني القديم.

أما الهند فهي، وإن كانت أقل ترشيداً من الصين، سعت إلى ضبط أعداد السكان خلال عهد رئيسة الوزراء الراحلة أنديرا غاندي وتمكنت من خفض معدل النمو السكاني من 2 في المئة عام 1960 إلى 1.3 في المئة.

بيد أن ما تواجهه الهند الآن من تحديات إقتصادية قد يدفع الحكومة إلى تبني مفاهيم أكثر صرامة في مسائل السكان والتي لا بد من أن تواكبها سياسات اقتصادية نهضوية تعزز التوجهات الإجتماعية العصرية المتعلقة بتنظيم الأسرة.

اما في البلدان العربية فالوضع مختلف، نظراً الى منظومة القيم السائدة وتعزز التخلف الإجتماعي في كثير منها. ولا يزال معدل النمو السكاني لكل البلدان العربية نحو 2.3 في المئة سنوياً، لكنه يتفاوت بين بلد عربي وآخر حيث ليبلغ أدناه 1.2 وأقصاه 3.5 في المئة.

لكن هذه البلدان ما زالت تعاني معضلات السياسات الإقتصادية التي لم تمكنها من الإرتقاء بمستويات المعيشة ورفع الإنتاجية والتحصيل العلمي، ما عطل تطور القيم الإجتماعية التي يمكن من خلالها السيطرة على النمو السكاني.

غني عن البيان أن بلداناً مثل مصر واليمن والعراق وسورية والسودان والمغرب، تواجه تحديات مهمة في مختلف مجالات التنمية الإقتصادية وهي بلدان عانت خلال السنوات الأخيرة مشاكل سياسية وأمنية، ما يؤكد أهمية تعزيز الإستقرار لإنجاز مشاريع التنمية.

وأياً يكن الأمر فالعالم العربي يظل من المناطق الأقل نهوضاً، ولا بد من توفير آليات سياسية وإقتصادية لرفع قدراته في هذا المجال.

نقلا عن الحياة