هل أزمة الإسكان من نصيب وزارة الإسكان، وعليها منفردةً الإتيان بحلّ ناجع للمشكلة، بأن تجعل السكن في متناول طالبيه؟
بالتأكيد لا، فذاك مطلب صعب؛ فليس من اليسير أن تحققه وزارة بمفردها، بل لا فكاك لها من أن تَدخل في شراكات وترتيبات مع الأطراف كافة بغية الوصول لحل في أقصر وقت ممكن، فالتكاتف يوفر الوقت والجهد.
وكما ندرك جميعاً فلكل حَلّ تكلفة، والحلول الكفؤة هي التي تجمع بين الحفاظ على الموارد والوقت. أما المطلوب فحل لا يهدر الموارد النادرة ولا الوقت المحدود. وهذه اشتراطات ليست هينة، فهي تعني أنه لن يكون مقبولاً الإتيان بأي حل، وإلا لكان من السهل على أي منا أن يضع الاقتراح تلو الاقتراح دون كثير تفكير في إثبات صلاحية ما اقترح للتنفيذ أو حساب تكلفته.
ومع ذلك فثمة مقترحات وأفكار تستحق التدبر، وخصوصاً تلك التي تنطلق من موارد متاحة وغير مستغلة لأسباب لا تتمتع بأي قدر من الوجاهة عند مضاهاتها بما يفوت على المجتمع من مصالح، لنأخذ مثلاً وهو العمل على الارتقاء باستغلال الأراضي السكنية "البيضاء"، انطلاقاً من أنها مورد جاهز لإقامة المساكن عليه نتيجة لتوافر الترخيص والخدمات والمرافق، ولذا لا يجوز إبقاؤها "بيضاء" نظراً لحاجة المجتمع المسيسة لها.
والمجال متاح أمام الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الإسكان لتضع المبادرات لتحويل تلك الأراضي "البيضاء" لمساكن. وليس القصد هنا، أن تقوم الوزارة ببنائها، ولكن بأن تبادر بطرح حلول وصياغة سياسات وتقديم محفزات وتصميم مبادرات ومقترحات تجعل أصحاب تلك الأراضي يعمرونها.
وطلباً للتحديد ولتقريب القصد لأغراض العرض في هذا الحيز، فلعله من الملائم قيام صندوق التنمية العقارية بإعادة إحياء القروض الاستثمارية؛ لتمويل من يريد أن يقيم عمارة سكنية أو يبني وحدات متصلة أو منفصلة للتأجير أو للتمليك، شريطة أن تكون اقتصادية.
لماذا الاقتصار على الاقتصادية فقط؟ باعتبار أنها هي الفئة الأعلى طلباً وندرة. ومن خلال توفير قروض استثمارية ميسرة لبناء وحدات سكنية اقتصادية، فسندفع المجتمع برمته ليساهم في إنهاء أزمة الإسكان، لا أن يقف منتظراً ما الذي ستقوم به الوزارة!
وليس هناك ما يمنع من أن تساهم السوق المالية السعودية في ذلك الجهد عبر مؤسسات التمويل العقاري مستفيدة من أنظمة التمويل والرهن والتنفيذ التي صدرت مؤخراً، لاسيما أن مؤسسة النقد قد بدأت بالفعل بإصدار التراخيص للمؤسسات المؤهلة للممارسة بموجب تلك الأنظمة.
ولا بأس من مراجعة لائحة الإقراض الإسكاني الاستثماري التي كان صندوق التنمية العقارية يعمل بموجبها قبل عقود لتتلاءم مع المتغيرات الكثيرة التي طرأت، ولا بأس أن يتأمل صندوق الاستثمارات العامة في جدوى تمويل برنامج جديد لتعزيز قدرة صندوق التنمية العقارية لتقديم القروض الاستثمارية بوتيرة مؤثرة وقادرة على تمويل بناء آلاف الوحدات في أنحاء المملكة.
وبالنظر للكم الهائل المتاح من الأراضي السكنية "البيضاء"، فبوسع وزارة الإسكان وضع الترتيبات واللوائح اللازمة لتنظيم تأجير الأراضي السكنية البيضاء لأغراض التملك والاستثمار، وبذلك تصبح الأرض متاحة لمن يرغب ولكن ضمن ضوابط ومعطيات محددة وعقود مقننة تنظرها محاكم التنفيذ في حال إخلال أحد أطراف العقد بالتزاماته، كما أن ذلك التقنين يدخل الأرض باعتبارها مصدراً للريع، وليس مجرد أصل مجمد يحقق لصاحبه مكاسب عند بيعه، كما أن التأجير (سواء انتهى بوعد للتمليك أم لا) يحقق مصلحة فيما يخص السكن لكل الأطراف بما فيها المجتمع.
وهناك أربعة محاور مترابطة تصنع فيما بينها منظومة لإدارة الموارد المتاحة ولاستقطابها من "خارج الحسبة"، وهي:
1-إدخال سياسات جديدة تُصلِح "حال" السوق العقارية وترتقي بممارساتها السائدة
2-حشد معطيات اقتصادنا الوطني ورغبة الحكومة الموقرة لإيجاد حلول لأزمة السكن بما في ذلك توفير الموارد من أراضٍ ومال من أجل ذلك
3-توظيف السوق المالية بمواردها الهائلة
4- استيعاب ما ستقدمه منظومة الرهن والتمويل العقاري من سيولة لا يستهان بها.
بمعنى أن مرتكز حل أزمة السكن يقبع في إخراج الأراضي السكنية "البيضاء" من محابسها، وليس في مجرد تطوير الأراضي الخام، التي لا يمكن أن تتجاوز كونها عاملاً مكملاً وليس محوراً ارتكازياً لحل أزمة السكن؛ والسبب أن تطويرها يتطلب وقتاً، وهو العنصر الأغلى والأكثر ندرةً.
ومع ذلك، فليس ثمة تعارض للعمل بالتزامن على محورين: حشد الأراضي السكنية البيضاء وتعميرها بشتى الوسائل، بما في ذلك استحداث التشريعات وتوفير الأموال، وتنمية الأراضي الخام وتطويرها وتخطيطها وتوفير الخدمات والبنية التحتية لها.
نقلا عن اليوم