ضرورات التحول إلى الصناعات المعرفية

27/07/2014 0
بشير يوسف الكحلوت

ظهرت مؤخراً بيانات الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر عن فترة الربع الأول لعام 2014، وجاءت بيانات الصناعة التحويلية لتسجل انخفاضاً جديداً في نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 9,4%، وبقيمة بلغت 18,2 مليار ريال.

وكنت قد تناولت هذا الموضوع في مقال عدد يونيو من مجلة التعاون الصناعي لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، الذي صدر مؤخرا.

وأشرت في ذلك المقال إلى أنه رغم كل الجهود التي بذلتها دولة قطر في مجال التصنيع، فإن نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، قد ظلت في حدود العشرة  بالمائة حتى عام 2012 ثم انخفضت إلى 9,77%  في عام 2013، ثم إلى 9,4% في الربع الأول من العام 2014.

الجدير بالذكر أن ناتج الصناعة التحويلية قد ارتفع بنسبة 1% فقط في الربع الأول من عام 2014 إلى 18 مليار ريال.

وفي حين لا يبدو أن هناك مجال في الأفق لتلعب الصناعة التحويلية  التقليدية دوراً مهما في نمو الاقتصاد القطري وتنويع مصادر الدخل فيه، فإن الحاجة باتت ملحة لحدوث التحول الذي نادت به منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، منذ سنوات، والذي تبنته دولة قطر بالفعل، نحو الصناعة المعرفية التي تقوم على استخدام أكبر للتقنيات الحديثة، واستهلاك أقل للطاقة والموارد الهيدروكربونية، مع توظيف أقل للأيدي العاملة. 

ولو تأملنا الإحصاءات والبيانات المنشورة عن الجهات الرسمية لوجدنا أن قطاع الصناعة التحويلية في قطر قد استخدم في عام 2012 ما مجموعه 102,8 ألف عامل وعاملة أو ما نسبته 7,7% من إجمالي قوة العمل في البلاد.

والمفارقة في هذا الموضوع أن قوة العمل القطرية في هذا القطاع قد اقتصرت  على 918 شخص فقط من الجنسين، أو أقل من 1% من إجمالي العاملين فيه.

كما أن العدد لا يكاد يُذكر إذا ما قورن بالعدد الإجمالي لقوة العمل في قطر والذي بلغ 1.34 مليون شخص في تلك السنة.

وهذا يقودنا إلى استنتاج حقيقة مهمة مفادها أن التصنيع التقليدي لا يمكن اعتباره أحد المداخل الرئيسية التي يُعول عليها لخلق فرص عمل للقطريين والقطريات، وأنه يعتمد اعتماداً شبه كلي على العمالة الأجنبية في تشغيل مصانعه المختلفة.

ولو افترضنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة بين العاملين الأجانب في هذا القطاع هو 4 أشخاص-أي طفلين مع الأب والزوجة-فإن إجمالي عدد الأجانب الذين زاد بهم السكان في قطر من جراء تشغيل هذا القطاع يزيد عن أربعمائة ألف نسمة، أو ما نسبته 20% من إجمالي السكان في عام 2012.

ولأن هذا العدد من السكان يحتاج إلى خدمات متنوعة، فإن التكلفة المجتمعية لتشغيل المصانع تصبح أكبر بكثير مما تشير إليه البيانات المالية للشركات الصناعية من ربح أو خسارة. 

وقد يقول قائل، إن قطاع الصناعة له  فوائد جانبية عديدة بخلاف ما يظهر  في البيانات المالية للشركات، ومنها دوره المهم في تنشيط القطاعات الأخرى، من بنوك وتأمين وتجارة ومواصلات واتصالات وكهرباء وماء وتعليم وصحة.

وهذا القول صحيح في عموميته، ولكنه ينطبق عليه ما ذكرناه عن قطاع الصناعة.

فبالنظر إلى الاختلال الحاصل في التركيبة السكانية في قطر، فإن التكلفة المجتمعية المترتبة على تنشيط الطلب على القطاعات الأخرى  يترتب عليه حتماً  زيادة في الطلب على قوة العمل الأجنبية بمعدلات مرتفعة، وهو ما يجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها من زيادة في النشاط يترتب عليها زيادة في أعداد العمالة الوافدة، ومن ثم زيادة الطلب على الخدمات المختلفة، فزيادة الطلب على العمالة الوافدة، حتى بات إجمالي عدد السكان ينمو بمعدلات تزيد عن 11% سنوياً.

ولكي تنكسر هذه الحلقة المفرغة لا بد من التوقف عن إقامة الصناعات التحويلية التي تميزت بها العقود الأربعة السابقة، والتي اعتمدت أساساً على تصنيع المواد الهيدروكربونية وخاصة الغاز الطبيعي، واستقدام معظم احتياجاتها من العمالة  الخارجية. 

على أن للموضوع جوانب أخرى تعزز هذا  الطلب وتدفع باتجاهه، ومنها زيادة تلوث الهواء والبيئة نتيجة ما ينتج عنها من أدخنة وأبخرة ومخرجات أخرى. وقد كان الظن إلى وقت قصير أن إقامة تلك المجمعات الصناعية يتم بضوابط وقيود تحول دون تلوث الهواء أو البيئة بوجه عام، وأن الشركات الصناعية تستخدم في ذلك تقنيات حديثة مناسبة.

على أنه قد صدمني هذا الصيف، تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية،  يضع الدوحة بين أكثر 20 مدينة تلوثاً في العالم  من حيث الهواء. وقالت المنظمة التي اعتمدت في تقريرها على قياسات علمية للهواء في 1600 مدينة في العالم، إن نيودلهي جاءت في المركز الأول من حيث ارتفاع نسبة التلوث، يليها مجموعة من المدن يقع أغلبها في الهند وباكستان وبنجلاديش.

وأضاف التقرير إن تلوث الهواء يؤدي في العادة إلى حالة وفاة واحدة من بين كل 8 وفيات. وهذا الحال الذي وصلنا إليه في الدوحة هو نتيجة منطقية لتضاعف عدد المصانع التي أقيمت في العقدين الماضيين، إضافة إلى الزيادة الكبيرة التي طرأت على عدد السكان  في العشر سنوات الماضية؛ حيث قفز العدد من 744 ألف نسمة في تعداد عام 2004 إلى 2,15 مليون نسمة وفق آخر التقارير المنشورة على موقع جهاز الإحصاء مع نهاية شهر يونيو الماضي.

والخلاصة أننا بحاجة إلى تغيير استراتيجية التصنيع في دولة قطر، والتحول سريعا إلى الصناعات المعرفية كما فعلت دول أخرى عديدة في العالم، حققت من خلالها نتائج مبهرة على صعيد التنمية المستدامة.