الاستثمار الأجنبي المباشر بالسوق وآثاره المحتملة

23/07/2014 2
محمد العنقري

أقر مجلس الوزراء قبل يومين، فتح السوق المالي أمام الاستثمار الأجنبي المباشر من الخارج أي لغير المقيمين بالمملكة، وحدد القرار الفئة المسموح لها بالمؤسسات المالية وترك لهيئة سوق المال تحديد الوقت المناسب لبدء العمل بالقرار وفق أنظمة ستعد لذلك، وأعلنت هيئة السوق، بأن فتح السوق أمام المستثمر الأجنبي الخارجي سيكون في النصف الأول من عام 2015م القادم، أي أن ما يفصلنا أقل من عام على بداية دخول المستثمر الخارجي.

ويعد القرار نقلة نوعية مهمة بالسوق المالي المحلي ، وكانت منتظرة منذ عامين أو ثلاثة على أقل تقدير، ومن الواضح أن التأخير كان لأسباب عديدة يغلب عليها التنظيم، وزيادة عدد الشركات المدرجة حتى يكون هناك فرص عديدة، بالإضافة إلى تنمية سوق الصكوك الذي سيكون أيضا له نصيب جيد من الاستثمار الأجنبي الخارجي، مما يعني أننا سنشهد قفزة جيدة بتداولات هذا السوق وزيادة بإصدار الصكوك مستقبلا، مما سيوسع من عمق وقوة القنوات الاستثمارية أمام المتداولين المحليين قبل الأجانب، خصوصا لو تم تغيير طرق التعامل بالصكوك مما يسمح بدخول أصحاب رؤوس أموال صغيرة كأفراد وبشكل مباشر فيها.

إلا أن الآثار الواسعة والكبيرة المنتظرة من قرار فتح الاستثمار الأجنبي الخارجي بالسوق المالي ستكون على سوق الأسهم، وإذا كان القرار قد حدد المؤسسات المالية فقط كطرف يسمح له بالاستثمار، فمن الواضح أن الهدف رفع نسبة تأثير الاستثمار المؤسسي بالسوق، حيث إن المتداولين الأفراد يشكلون أكثر من 90 بالمئة من حجم التداولات وهذا أمر يقلق الأسواق، لأن التقلبات تكون عالية عادة وتكثر أعمال التلاعب ودغدغة مشاعر المتداولين غير المختصين بأسهم مضاربة تكون أغلبها لشركات صغيرة وخاسرة أو ضعيفة، وهذا ما شهدناه بأمثلة عديدة بالسوق خصوصا بقطاع التأمين فدخول طرف استثماري محترف ويمتلك خبرة هائلة بتعاملات الأسواق سيغير كثيرا من توجهات السيولة سواء للاستثمار أو المضاربة مستقبلا نحو الأسهم الجيدة والقوية مهما كان حجم رأس مالها، وإن كان التركيز غالبا سيكون على شركات بأحجام متوسطة وما فوق نظرا لإمكانية التملك لحصص جيدة أو الحصول على كميات مناسبة من الأسهم التي يرغب المستثمر الأجنبي الحصول عليها.

ومن المهم، أن نعلم بأن المستثمر الأجنبي حتى لو كان مؤسسات، فهذا لا يعني أنه سيسمح لأي مؤسسة مالية أجنبية الدخول بالسوق المالي مباشرة، بل سيكون هناك ضوابط عديدة تمنع دخول مؤسسات مالية من دول لا تطبق أنظمة صارمة على تلك المؤسسات لمنع تمرير غسيل الأموال أو تكون استثماراتها ومصدر أموالها مشبوه أو من دول لا يوجد علاقات تجارية بينها وبين المملكة، والعديد من الضوابط بهذا الجانب سنراها عند صدور التعليمات من قبل هيئة السوق، كما أن أغلب الطرق التي ستتبع بالاستثمار الخارجي محليا ستكون عبر منتجات مالية تقليدية وهي الصناديق التي سيؤسسونها أو تكون قائمة للاستثمار بالسوق المحلي، وبالتالي سيتمكن الأفراد الأجانب من دخول السوق المحلي عبر تلك الصناديق، ومن المتوقع أن تكون هناك رقابة على حركة تلك الصناديق بالبيع والشراء حتى لا تكون مصدرا سلبيا لحركة السوق المالي وتقلل من أثر حركة الأموال الساخنة التي عانى منها السوق كثيرا بالأعوام الماضية، وإن كان إلغاؤها مستحيلا لكن تقليل أثرها يبقى هدفا لو تحقق فهو جيد للسوق وهذا لن يتم إلا بزيادة الأطراف المؤسساتية بعمل السوق.

كما أن الاستثمار الأجنبي سيكون له أثر إيجابي وظهر ذلك بفوائد انعكست بالأسواق العالمية الكبيرة منها والناشئة كثيرا من خلال تعزيز مفهوم الاستثمار الطويل الأجل ، وتدفق المعلومات والتحليلات العالية الدقة والاحترافية بالسوق وزيادة الخبرة لدى كل الأطراف المحلية من مستثمرين أو موظفين بالقطاع المالي ، إضافة إلى زيادة بعدد الشركات المدرجة خصوصا المرتبطة بالتنمية المحلية والتي تحتاج إلى استثمارات كبيرة تتطلب رؤوس أموال ضخمة وتحتاج أن تتحصل على جزء منها من خلال الطروحات ، وزيادة رؤوس الأموال بالسوق المالي والعديد من الفوائد التي استفادت منها الأسواق المالية خصوصا الناشئة بدخول الاستثمار الأجنبي المباشر لأسواقها.

لكن يبقى هناك عوامل سلبية أيضا ترافق الاستثمار الأجنبي المباشر من الخارج ، وبالتأكيد لا يوجد وجه واحد مثالي وإيجابي للاستثمار أو نوعية المستثمرين، ولكن غالبا ما تقاس السلبيات والإيجابيات لمعرفة حجمهما وتقدير الاتجاه الأفضل بعد ذلك ، ومن ثم الدخول في نوعية السلبيات ووضع أنظمة تقلل من احتمال وقوعها قدر الإمكان، ومن السلبيات أن يكون لتلك الاستثمارات نسب استثمار عالية بشركات السوق أو القطاعات المؤثرة ، لأن أي انسحاب منها إذا لم توضع شروط له سيؤثر على السوق، ولكن الأهم أنه سيسحب أموال محلية كأرباح تتحقق لهم من استثمارهم فجل ما يدخل اقتصادنا من سيولة يأتي من بيع النفط والإنفاق الحكومي، ولابد من النظر بالطرق التي تحد من تلك المخاطر وزيادة دخول الأموال الأجنبية بطرق عديدة للاقتصاد المحلي ، ووضع رقابة على عمليات التمويل للاستثمار بالسوق المالي أوسع مما هي عليه الآن.

كما أن إمكانية تأسيس صناديق بالخارج للاستثمار محليا قد يساعد على دخول مستثمرين فيها تمنعهم الأنظمة التجارية بالمملكة، وتكون تلك الصناديق غطاء لاستثماراتهم فهم من المسموح لهم بتلك الدول بالاستثمار، ولكن قد يكونوا من الممنوعين لدينا لأسباب عديدة مما يعني أن الرقابة على تلك الصناديق ستتطلب جهودا كبيرة وخبرات عالية من قبل هيئة السوق مستقبلا ، كما أن وضع نسب محددة لتملك الأجانب من الخارج بالشركات بحيث لا تشكل نسب سيطرة مجتمعة تؤثر على تركيبة مجالس الإدارات بالشركات، أيضا عامل مهم ومن الممكن أن يكونوا أعضاء بتلك المجالس أو يحق لهم التصويت بالجمعيات العامة ، لكن لا يجب أن يصلوا لمستوى حصص سيطرة كبيرة ومؤثرة خصوصا بالقطاعات الإستراتيجية والكبيرة عموما.

إقرار الاستثمار الأجنبي المباشر بالسوق المالي يحمل الكثير من الإيجابيات تفوق السلبيات التي قد تنجم عنه بكثير، ولكن حتى صدور الأنظمة التي من خلالها سيسمح لهم بالاستثمار والتداول بالسوق المحلي فإنه من الصعب قياس الأثر وفوائد وسلبيات القرار حاليا، لكن يبقى لقوة الاقتصاد المحلي وآفاق النمو فيه والفرص المشجعة بالسوق المالي المحلي كلها عوامل جذب للاستثمارات المحلية والخارجية للسوق المالي ولفترة طويلة، ولكن لابد من تطوير السوق من حيث زيادة عدد الشركات وزيادة القطاعات فيه وفتح المجال أمام منتجات مالية واسعة ومتعددة، لكي يكون لها تأثير بجذب وتوزيع السيولة بالسوق والتأثير على حركة المؤشر والأسهم بما يقلل من التذبذبات العالية ويساهم باستقرارها، وأن تكون دائما قريبة من القيم العادلة لأسعارها مع أهمية زيادة الشفافية والإفصاح بالشركات ودعم صدور التقارير من قبل المؤسسات المالية حول السوق حتى يكون المتداولين عموما على معرفة بأوضاعه وتقدير الفرص فيه وقيمها المستحقة لرفع كفاءة السوق قياسا بما هو حاليا.

نقلا عن الجزيرة