لقد أدرك العالم كله حجم التحديات والتطورات الجذرية في بيئة العمل خلال العقدين الماضيين وما يتطلبه ذلك من ضرورة تبني تغيير جذري في أسلوب تقديم الخدمات العامة من حيث المفهوم والآلية معا.
وأصبح مقدم الخدمة ينظر إلى العميل (المراجع بالمفهوم الخليجي!!) على أنه صاحب الحق وخدمته واجبة والمطلوب هو نيل رضاه.
لقد أدركت كثير من الأجهزة العامة في المجتمعات المتحضرة هذا التطور فعملت على إعادة بناء وهيكلة مؤسساتها وتأصيل مفهوم الخدمة العامة لدى العاملين في الحكومة.
كما حاولت كثير من الدول النامية أن تحذو حذوها لأنها أدركت أن استقرار الدول ونموها لا يعتمد على ارتفاع مستوى الدخل فقط بل على رضا المواطن عن مستوى ما يقدم له من خدمات حكومية.
وكانت ثورات الربيع العربي صافرة إنذار للجميع ورسالة لمن أراد أن يهتدي سواء السبيل. وقد ساعد التطور التقني وحيوية الشبكة العنكبوتية على تيسير هذه المهمة، أعني مهمة التطوير الجذري لمفهوم وآلية تقديم الخدمات العامة، وساهم في سرعة تقديم الخدمة وجودتها وتقليل تكلفتها والحد من التدخل البشري والفساد.
ومن المعلوم لدى خبراء تصميم المنظمات وإعادة الهيكلة أن تطوير الكيانات الخدمية وإعادة هيكلتها يقوم على بعدين: الإنسان والآلة أو المفهوم والآلية.
وما يتطلبه ذلك من إيجاد توازن وتزامن في تطوير كل منهما. والمتتبع لأداء أجهزة القطاع العام في المملكة يلاحظ أن الكثير منها استفاد من وسائل التطور التقني ووظفها بشكل مقبول في تقديم الخدمات العامة الموكلة إليه.
أي أنه يمكن القول بأننا ـ على الأقل ـ نسير في الاتجاه الصحيح بالنسبة للبعد الأول أعني آلية تقديم الخدمات.
بقي البعد الأهم، وهو الإنسان العامل القائم على تنفيذ الآلية في أجهزة القطاع العام والذي يمثل نقطة التواصل والاتصال بين الحكومة والمواطنين.
الذي يبدو أن الكثير من العاملين في هذا القطاع لم يقرأوا جيدا مستجدات المرحلة ومعطياتها وتطوراتها بل ربما لم يفهموا بشكل جيد توجيهات قادة هذا البلد الواضحة بهذا الخصوص.
وبالتالي ظل لدى الكثير منهم الانطباع بأن العلاقة بينه وبين المواطن العادي (المراجع) تقوم على علاقة بين المانح المقرر صاحب اليد العليا وبين صاحب الحاجة .
علاقة بين معط وآخذ، ومتفضل ومتفضل عليه. وبالتالي ظل يتعامل مع من يفترض به خدمته من هذا المنطلق.
مازال الكثير من العاملين في أجهزة القطاع العام الخدمي يحملون نفس المفاهيم التقليدية السابقة عن العلاقة بين مقدم الخدمة والمواطن.
ومازالت ألفاظ غريبة مثل نعت المواطن المفترض خدمته ب «مراجع» أو «صاحب الحاجة» تتداول بين أروقة الجهاز العام. هذا في الوقت الذي يؤكد فيه رأس الهرم والقائد الأعلى للكيان ـ حفظه الله ـ على أن مهمة جميع العاملين في أجهزة القطاع العام مهما كانت مستوياتهم الوظيفية ومواقعهم الجغرافية في الداخل أو الخارج هي «خدمة» المواطن.
الذي أردت أن أصل إليه هو أننا إذا أردنا أن نعظم الفائدة المرجوة من التقنية التي استعنا بها بعد الله ونزيد من رضا ورفاه المواطنين فإن علينا أن نؤصل مفهوم الخدمة العامة لدى العاملين في أجهزة القطاع العام .
حان الوقت الذي يدرك فيه موظف القطاع العام أنه مطالب بتقديم خدمة وليس مالكا لها، وأنه أجير وليس أميرا. وأنه وضع لإرضاء المواطن وليس لإتعابه.
وحتى نتمكن من تحقيق ذلك وتغيير المفاهيم التقليدية الخاطئة عن الخدمة العامة، فإن الأمر يتطلب الجمع بين إيجاد نظام يوجه ويضبط سلوك العاملين من جانب ورفع مستوى وعيهم عن مفهوم الخدمة العامة من جانب آخر. وباختصار فإنني أقترح ما يلي:
1ـ أن يتم إعادة النظر في أنظمة وآلية التعيين وإنهاء الخدمة على الوظائف العامة وربط الاستمرار فيها بمستوى الأداء ورضا المستفيدين. بحيث يدرك الموظف أن الوظيفة ليست حقا مكتسبا له للبقاء فيها حتى سن التعاقد ما لم يثبت حسن أدائه.
2ـ أن يتم وضع برامج تدريبية طموحة وغير تقليدية تهدف إلى توعية موظفي القطاع العام بواجباتهم تجاه الوطن والمواطنين بما يكفل تغيير المفهوم التقليدي السائد لدى الكثير منهم عن العلاقة بين مقدم الخدمة والمواطن.
والله من وراء القصد،،،
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع