قبل أيام أعلنت الشركة السعودية للكهرباء عن تلقيها موافقة بسداد مديونية لصالحها تسجل في قوائمها المالية تحت بند ذمم كبار الشخصيات والتي بلغت تراكماتها على مدى 30 سنة 2.7 مليار ريال وتعد هذه التراكمات وغيرها من المديونيات على القطاعات الحكومية من الملفات التي ورثتها الشركة الحالية بعد أن تم دمج وتوحيد عمليات شركات الكهرباء بالمملكة عام 1999 م، والتي كانت موزعة مناطقيا وقد انتقلت بموجب ذلك كل ما يخص الشركات القديمة وما لها وما عليها للشركة الحالية مما يعني أن لديها الكثير من العمل حتى تتخلص من كل الملفات العالقة قبل تأسيسها بوضعها الحالي، بما يعزز المسار الإصلاحي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -.
فأولى الخطوات التي تقوم بها الشركة الجديدة أنها بدأت بالإفصاح والتفصيل عن كل أعمالها وما لها وما عليها في قوائمها المالية إتباعا لتعليمات هيئة سوق المال بالإضافة للوائح الحوكمة التي التزمت بها الشركة وفيما يخص مديونية كبار الشخصيات والتي تم إنهاؤها الآن فإنها لم تكن تظهر سابقا ولم يكن معروف عنها شيء كحال ما تطلبه الشركة من القطاعات الحكومية ومرافقها كالوزارات ومنشآتها التابعة لها وأي جهة حكومية غيرها والتي تقدر بأضعاف ذمم كبار الشخصيات مما يعني أن الشركة وبعد أن بدأت بتطوير أعمالها وتنوي فصل الشركة لعدة شركات عمليا وليس نظريا فإنها تقوم بعملية إصلاح مالي لنفسها تقفل عبره كل الملفات التي ورثتها من مرحلة ما قبل الدمج ويعد أيضا ذلك جانبا إصلاحيا مهما في مالية الدولة وأجهزتها الحكومية وشركاتها التي تمتلك بها حصصا كبيرة ومؤثرة كالسعودية للكهرباء فملكية الحكومة فيها تبلغ 74.31% وهي نسبة كبيرة جدا تعبر عن تحمل الدولة لمسئولية الاستثمار والدعم لقطاع حيوي كالكهرباء رغم أنه يكبدها خسائر لكن منافعه غير المباشرة كبيرة جدا ولذلك تجد أن الدعم الذي تتلقاه الشركة بين فترة وأخرى لتمويل مشاريع ضخم جدا لطبيعة تكلفة المشاريع المرتفعة إلا أن النتائج المرجوة منه تعد كبيرة وتخدم التنمية اجتماعيا واقتصاديا وتدعم التطور النوعي للاقتصاد المحلي مما يبرر حجم المبالغ التي تحصل عليها الشركة عبر قروض حكومية ميسرة وطويلة الأجل.
أما ما يخص مبلغ مديونية كبار الشخصيات فهو سينعكس على أرباح الشركة بعاملين الأول المبلغ نفسه 2.7مليار ريال والآخر تحرير مبلغ كان يوضع كمخصصات يم تجنيبها وفق الأنظمة والمعايير المحاسبية المتبعة بالمملكة مما سيضيف أرقاما كبيرة لميزانية الشركة وصافي أرباحها وإن كان حدثا غير متكرر إلا أنه مهم لتعزيز وتقوية مركز الشركة المالي ورغم أن المبلغ إذا ما أخذناه على مدى سنوي فإنه لا يتعدى 90 مليون ريال سنويا كقيمة استهلاكية أي أقل من 0. 25 من حجم تكاليف الإنتاج على الشركة كما أن معنى كبار الشخصيات ليس بالضرورة أشخاص فقط بل هو تعبير قد يشمل مرافق ومراكز إدارة شئون الدولة وما يتبعها من قصور ضيافة لزوار المملكة إلا أن تحليل أو توضيح هذا المعنى يبقى من مسئولية شركة الكهرباء كما أن هناك أنظمة قديمة جدا ومعروفة لتنظيم سداد التزامات كبار الشخصيات لشركات الكهرباء سابقا والتي توحدت بشركة واحدة منذ 15 عاما أي أن كل ما تم سابقا ولاحقا هو وفق نظام موجود لدى وزارة المالية لكن التطور المهم الذي أحدثه خبر سداد تلك المديونيات المتراكمة من 30 سنة هو أن الشركة دخلت مرحلة جديدة حيث ستقوم بمعاملة أي مشترك لديها وفق أنظمتها دون الرجوع لأي تعليمات سابقة حيث ستقطع الخدمة عن أي جهة أو شخص لا يلتزم بالسداد.
كانت الأنظمة السابقة تمنع الشركة من ذلك رغم أنها لم تفقد حقها بتحصيل ما عليهم من فواتير ورسوم والدليل أنها كانت توضع كمديونيات للشركة وتجنب مخصصات احتياطية لها لكن ومنذ أكثر من أربع أعوام بدأت الشركة بإيضاح تفاصيل المديونيات التي تطلبها من عملائها ويظهر سنويا بقوائمها إيضاحات حول المديونيات وتفند بشكل واضح ومن يريد أن يطلع على قوائم الشركة سيجدها مذكورة ومفصلة تحت بند ذمم كبار الشخصيات مع ذكر للمبلغ وتراكماته وأيضا لمديونية الجهات الحكومية التي تطلبها الشركة منهم وهي أيضا تراكمات سنوات طويلة.
ومن المهم قوله إن شركة الكهرباء ورثت تركة ثقيلة جدا من الشركات التي تتشكل منها حاليا أي قبل الدمج وكان الأجدر أن يتم إقفال ملفات كل شركة من الشركات المناطقية السابقة التي شكلت الكيان الحالي قبل عملية الدمج إلا أن السرعة التي اتخذ فيها القرار والعمل على إنجازه سريعا نقل معه كل مشاكل الشركات السابقة إلى الكيان الجديد وهو الأمر الذي أرهقها والآن فقط بدأت الشركة تنتقل لمرحلة جديدة في عملها حيث تصفية كل متعلقاتها المالية وتقوم بتنظيم مشاريعها وفق رؤية مستقبلية أفضل من حيث التخطيط والتطوير ورغم ذلك فإنها مازالت بحاجة كبيرة للدعم الحكومي فقبل فترة قصيرة اعتمدلها قرض حكومي بـ50 مليار ريال لدعم مشاريعها يسلم على خمس سنوات ولا يتم البدء بسداده إلا بعد 15 سنة هذا بخلاف دعم أسعار الوقود حتى تستطيع الشركة إيصال الخدمة لكافة المناطق وبأسعار منخفضة دعما للمواطن بالمقام الأول بل إن الدولة تتنازل عن حصتها من الأرباح ومنذ سنوات طويلة تم تمديدها بآخر مرة لعشر سنوات قادمة تنتهي في 2019م وهو دعم إضافي للمواطن الذي يستثمر بالشركة كونها مدرجة بالسوق المالي يضاف لباقي أنواع الدعم التي تتلقاها الشركة كما تتولي وزارة الشئون الاجتماعية سداد فواتير الكهرباء عن 380 ألف منزل لذوي الدخل المحدود وتبلغ تكاليف فواتيرهم السنوية مليار ريال ويتوقع أن ترتفع لضعف هذا الرقم مع شمول أسر إضافية ممن يصنفون ضمن الشريحة المستحقة للدعم.
رغم أن شركة الكهرباء مساهمة عامة ومدرجة للتداول إلا أنها تبقى شركة لم تصل إلى مرحلة العمل بمفهوم تجاري كامل وذلك يعود لضخامة أعمالها والتزاماتها وكذلك قيود تسعير خدماتها والتي تعد أقل من التكلفة الفعلية لعملياتها بكثير رغم دعم أسعار الوقود فإن الدولة ترى في فوائد انخفاض تكلفة الطاقة على المواطن حتى لو تحملت هي فرق تكلفة التشغيل عن ما يسدده للشركة أكبر نفعا للاقتصاد والتنمية عموما فما زال القطاع السكني يشكل جل استهلاك الكهرباء ومع ذلك نجد أن التكلفة لم ترتفع على المستهلك حتى لحدود تغطية تكاليف إنتاجها على الشركة ولكن بالمقابل فإن إصلاح أوضاع الشركة المالية وإقفال كل الملفات القديمة مهم جدا لمستقبلها وداعم للمستثمرين الأفراد فيها وهم شريحة واسعة من المواطنين ومع ذلك لم يتم تحميلهم أي مسئولية بضخ أموال برأس مال الشركة خدمة لتمويل مشاريعها بل بقيت الدولة هي من يدعم ويقدم التمويل للشركة لزيادة إنتاجها عكس ما يحدث بكثير من الشركات المساهمة الأخرى والتي تطلب من مساهميها تمويلا لتوسعاتها باكتتابات حقوق أولوية أو بتحويل جزء من أرباحها المبقاة إلى رأس المال والتي تسمى أسهم منحة لكنها بالحقيقة هي أموال مساهمين كان من الممكن أن يأخذوها كأرباح لهم بينما نجد أن شركة الكهرباء والتي نفذت مشاريع جبارة خلال السنوات الماضية وما يتم حاليا للسنوات القادمة بأرقام فلكية تجاوزت مئة مليار جاء جل تمويلها إما بقروض حكومية مباشرة لا يوجد عليها أي تكاليف خدمة ديون وكذلك بطرق دعم لإصدار صكوك يتم تغطيتها فورا كون الشركة مملوكة بمعظمها للدولة فيكون ذلك ضامنلسدادها للصكوك بل وبتكاليف منخفضة نظرا لأن الدولة تصنيفها الائتماني قوي جدا.
تبقى شركة الكهرباء من أهم المنشآت التي تدعم التنمية الاقتصادية ورغم حجم التكاليف الباهظة وعمليات الهيكلة للشركة وقطاعاتها إلا أن مستوى التكلفة والخدمة للفرد وللمنشآت يبقى مرضيا وإن كان يتطلب المزيد من الجهد لتحسينه كثيرا وتقليص تكاليف التشغيل إلا أن إقفال مرحلة ما قبل الدمج مهم جدا وتصحيح لأخطاء سابقة كان يجب معالجتها من قبل تأسيس الكيان الجديد بالإضافة إلى أن خبر تسوية هذه المديونيات يعكس توجها إصلاحيا ماليا كبيرا من الحكومة لتطوير الأداء المالي وتفصيلاته بميزانية الدولة والذي سيشهد تطورا كبيرا بالمرحلة القادمة من حيث تفصيل الإيرادات والنفقات والذي بدأت ملامحها بتقارير دورية تظهر أرقاما ومعلومات لم تكن معروفة للعامة سابقا كتفاصيل إيرادات مصلحة الزكاة والدخل إضافة إلى قيام جهات عديدة بإظهار قوائمها المالية كما فعلت هيئة سوق المال وكذلك شركة تداول التي يتوقع إدراجها بالسوق المالي مستقبلا وهي إشارات تدل على انتقال النظام المالي بالمملكة لمرحلة جديدة من الإفصاح والشفافية ستتطور معها أساليب الإحصاء والإصلاح أيضا منعا لأي تراكمات على أي جهة كانت ودعما لأعمال الاقتصاد ودور الجهات الحكومية فيه والشركات العامة أيضا والتي تعد إستراتيجية في نشاطها وقطاعها كحال شركة الكهرباء.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع