إن صناعة التمويل متناهي الصغر في الوطن العربي هي صناعة مستحدثة لا يتعدى عمرها عدد صوابع اليد الواحدة من عقود الزمن و لكنها تنمو بشكل مقبول إذا ما تم مقارنة معدلات النمو بالتحديات التي تواجهها ومن أكثر تلك التحديات والتي تعمل علي تقييد حد النمو المطلوب لمقابلة الطلب الفعال هو عدم تهيئة البيئات التشريعية في البلدان العربية والمنظمة لممارساتها حيث إن الأطر التشريعية لصناعة التمويل متناهي الصغر في البلدان العربية تحتاج لكثير من البناء والإصلاح ومع هذا فإني أعتقد أن الحكومات العربية تسير بخطى مقبولة في طريق الإصلاح فأتصور أننا في خلال مدة قصيرة لا تتعدى ثلاث سنوات سوف يطبق قانون خاص بمزاولة التمويل متناهي الصغر في أغلب الدول العربية.
والدليل علي ذلك أننا شاهدنا في الآونة الأخيرة طرح أكثر من دولة عربية لمشروع ينظم ممارسات التمويل متناهي الصغر للمناقشة فعلي سبيل المثال قامت الهيئة العامة للرقابة المالية بمصر بطرح مسودة قانون لتنظيم ممارسات التمويل متناهي الصغر و أيضاً قامت مؤسسة النقد العربي السعودي هذا الشهر بطرح مسودة لمشروع قواعد ممارسة نشاط التمويل متناهي الصغر و هذا هو موضوع المقال و هو مناقشة ما جاءت به تلك المسودة من بنود.
وقبل ما نقوم بتناول المسودة السعودية بالمناقشة يجب عرض و توضيح وضع صناعة التمويل متناهي الصغر السعودي فمن خلال واقع التقرير الإقليمي والمعد من الشبكة العربية للتمويل الأصغر في البلدان العربية فإن العدد التقديري للمقترضين المحتملين للصناعة في المملكة العربية السعودية يقدر بأكثر من مليون مقترض محتمل تم خدمه ما يقارب من العشرة آلاف مقترض منهم حسب إحصائيات عام 2009 بمعدل تغلغل لا يتعدي 0.71% و بذلك تصبح فجوة التغطية تقارب من مليون عميل محتمل بمحفظة يمكن ضخها في سوق صناعة التمويل الأصغر تتعدي مليار دولار أمريكي.
وتعليقاً علي ما جاء بالتقرير و هو آخر تقرير إقليمي تم إصدارة من الشبكة العربية للتمويل الأصغر- سنابل وتم فيه تناول وضع الصناعة في البلدان العربية فلقد تغير الوضع بدخول لاعبين جدد في سوق التمويل متناهي الصغر السعودي مثل مؤسسة مركز بناء الأسرة المنتجة ( جني ) علي سبيل المثال لا الحصر ولكن حتى مع هذا سوف يظل معدلات التغلغل في السوق منخفضة للغاية لا تتعدي 6% علي أقصى تقدير لها وخلاصة القول أنة يمكننا أن نجزم أنه يوجد بالمملكة فجوة تغطية تقارب من مليون عميل محتمل بمحفظة محتملة تتعدي مليار دولار أمريكي.
وبعد عرض حقيقة وضع الصناعة في المملكة نعرض الآن رؤية علي مسودة مشروع قواعد ممارسات نشاط التمويل متناهي الصغر السعودي فأولى ملاحظاتي علي المسودة هي أنها أغفلت تعريف التمويل متناهي الصغر و قلصت وجودة في نشاط الإقراض متناهي الصغر حتى أنه لم يذكر تعريف واضح للتمويل متناهي الصغر في نظام مراقبة شركات التمويل أو اللائحة المنظمة له وعلية يجب أن يتضمن مشروع القانون تعريف واضح للتمويل المتناهي الصغر والتنويه بإمكانية تقديم الخدمات الغير اقراضية مثل خدمات التأمين والتحويلات النقدية وكذلك الخدمات الغير مالية وأيضا إمكانية تقديم خدمات الودائع بعد موافقة مؤسسة النقد العربي السعودي كما يجب التنويه في المادة عن إمكانية وجود عقود للتمويل الجماعي ( بشكل تضامني – بضمان المجموعة ) و هذا منتج أساسي في التمويل متناهي الصغر.
كما أنه جاء بالبند الثالث للمسودة أن مؤسسة النقد العربي السعودي هي من تحدد ما يجب علي شركة التمويل من المتطلبات المتعلقة بالحوكمة والتنظيم الداخلي و إدارة المخاطر والمراجعة الداخلية دون وضع معيار تلتزم به مؤسسة النقد العربي السعودي عند تحديد تلك المتطلبات وعلية كان يجب إضافة عبارة ( وفق المعايير الدولية المتبعة لصناعة التمويل متناهي الصغر ) حتى يتم إغلاق تلك المادة مهنياً ولا تترك مفتوحة هكذا كما أنه جاء بالمادة الثالثة عشر و المتعلقة بميثاق أخلاقيات العمل أنه علي شركة التمويل متناهي الصغر وضع ميثاق لأخلاقيات العمل ...الخ ) و في تصوري انه يجب أن تضع المؤسسة هذا الميثاق و تلزم به الشركات للتنفيذ.
كما أنه لم يأتي بالمسودة ما يتعلق بالاستعلام الائتماني واكتفى المشرع بوجودها في المادة 57 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التمويل حيث نصت علي وجوب موافقة العميل حتى يتم فحص السجل الائتماني للعميل وهذا غير منطقي وعلية يجب إلزام شركة التمويل متناهي الصغر بالاستعلام الائتماني للعميل قبل منح التمويل ( حتي لا يتم إغراق العميل بالديون و التعرض الصناعة لهزات لها الأثر الجسيم ) كما أيضاً لا يوجد في المسودة ما ينوه عن الإجراءات القانونية في حالة دمج أكثر من شركة تمويل متناهي الصغر تزاول النشاط.
كما إنني أقترح وضع ماده تحث شركات التمويل ( ولا تلزم ) بعمل شبكة قومية سعودية فيما بينها لتبادل الخبرات وتكون مسئولة عن تقديم الدعم الفني والتدريبي مثال ( الشبكة المصرية للتمويل متناهي الصغر – وشبكة اليمن للتمويل الأصغر – وشراكة في فلسطين – والشبكة العراقية للتمويل متناهي الصغر وغيرها من البلدان العربية ) وأيضا اقترح أن تقوم المؤسسة بتكوين مجلس مكون من بعض الممثلين لها وممثلي شركات التمويل والوزارات والهيئات المعنية وبعض الخبراء للإشراف والرقابة وقيادة علي سوق التمويل متناهي الصغر السعودي وهذا مقترح موجود في مسودة مشروع قانون التمويل متناهي الصغر المصري المعروض للمناقشة الآن.
وفي نهاية المقال تلك رؤية مبسطة للمسودة وأتصور أن إصدار هذا القانون سوف يعمل علي إنعاش صناعة التمويل متناهي الصغر في المملكة السعودية حيث أتصور أنه يحفز دخول رؤوس أموال جديدة للاستثمار في المجال إن شاء الله.