هل تكون أحداث الشرق الأوسط تمهيدًا لبداية سياسة نقدية جديدة؟

23/06/2014 1
سلطان مهنا المهنا

أولاً: تاريخ السياسات النقدية يؤكد ذلك؛ فخلال القرن الماضي شهدت السياسات النقدية تغييًرا أو استُبدِلَت بنظام آخر كل 30 إلى 40 سنة، ثانيًا: يلي ذلك التغيير حروب رئيسية تُحِدث نوعًا من التغيير السياسي و الاقتصادي حول العالم مما يُنعش الاقتصاد العالمي، و هو ما حدث في عام 1914م و التي أعقبها الحرب العالمية الأولى، و عام 1939م وبداية أحداث الحرب العالمية الثانية، حرب أكتوبر عام 1973م بين إسرائيل و مصر، سوريا أيضاً جاءت لإنقاذ الدولار والاقتصاد العالمي من الانهيار بعد إلغاء الرئيس نيكسون ارتباط الدولار بالذهب في 15 أغسطس من عام 1971م.

هناك مؤشرات الآن تدل على أن النظام المالي العالمي اليوم يعيش فترة شبيهة بعام 1971م أهمها استعادة البنوك المركزية مؤخرًا لذهبها تمامًا كما حدث بعد إلغاء اتفاقية (بريتون وودز) عام 1971م؛ فقد أظهر التقرير الربع سنوي لبنك إنجلترا الذي يحتفظ ب 5485 طن من الذهب تخص عملاء من 72 بنك مركزي حول العالم أن النسبة انخفضت عن العالم الماضي 2013م بحوالي 750 طن بدون ذكر أي عملية بيع، وأضاف التقرير نفسه بأن هذا مؤشر على استعادة البنوك المركزية لذهبها تماماً كما حدث بعد إلغاء اتفاقية (بريتون وودز) عام 1971م. 

أضف إلى ذلك عودة الحديث مرة أخرى عن (حقوق السحب الخاصة special drawing rights  SDR) وتسمى أيضاً (ورقة الذهب paper gold ) على اعتبار أنها تعوّض نقص الذهب، و هي وحدة تعامل مصطنعة تعمل كنظام تكميلي أو إضافي لنظام (بريتون وودز) تعتمد في قيمتها على أربع عملات رئيسية الدولار (41,9)، اليورو (37,4)، الجنيه الاسترليني (11,3) والين الياباني( 9,4) وقد أقرت في عام 1969م من قبل صندوق النقد الدولي وبدأ العمل بها في بداية شهر يناير من عام 1970م بعد تذمر عدة دول من كون الدولار العملة الرئيسية للتجارة العالمية. 

إذن استعادة البنوك المركزية لذهبها وتخزينه لديها، وزيادة التعاملات بنظام حقوق السحب الخاصة، ايضا الفترة الزمنية وهي مرور حوالي 40 سنة لنظام البترودولار والأهم من ذلك كله انعدام الثقة التي كانت تعد الأساس وما انتهى إليه نظام (بريتون وودز) في السابق حيث أصبحت السياسات النقدية القائمة لكثير من الدول تعتمد بشكل أساسي على الإفراط في الإصدارات النقدية لخفض قيمة العملة لزيادة الصادارت بدون ضوابط هي السمة السائدة في الوقت الحالي. 

كلها مؤشرات تدل على النظام النقدي القائم الآن _والذي يعتمد بشكل رئيسي على الدولار_ يعيش فترة شبيهة بعام 1971م بعد تزايد الضغوط من أوروبا على الولايات المتحدة خاصةً (فرنسا) بالمطالبة باستبدال الدولار بالذهب مما أدى بالرئيس نيكسون للاجتماع بمساعديه في (كامب ديفيد) لمدة ثلاثة أيام أدت إلى اتخاذ قرار بتوقف الولايات المتحدة في 15 أغسطس من عام 1971م عن استبدال الدولار بالذهب حسب اتفاقية (بريتون وودز).

مما أجبر الإدارة الأمريكية على العمل لإيجاد حل يضمن عودة الدولار وهيمنته مرة أخرى على التجارة العالمية، وكانت حرب أكتوبر 1973م، وحظر النفط هي الوسيلة التي أعادت الدولار من خلال ما يعرف بـ (بترودولار) و هي علاقة مثبتة و مؤكدة، نوقشت خلال الاجتماع السري الذي تم في (سالتجوبادن) بالسويد مايو 1973م الذي تنظمه مجموعة (بلدربيرغ)، وهي مجموعة يعرف عنها وتتهم من قبل الكثيرين بأنها تسعى للسيطرة على اقتصاد العالم وموارده الطبيعية، هذا الاجتماع يعقد كل 4 سنوات ويحضره عدد من الشخصيات ذات النفوذ الاقتصادي والمالي حول العالم. 

أحداث الاجتماع وماجاء فيه من توصيات وردت في كتاب بعنوان "اليد الخفية للهيمنة الأمريكية" والذي صدر عام 1999م للبروفيسور (ديفيد سبيرو) الذي ذكر أن الحاضرين استمعوا خلال الاجتماع في شهر مايو من عام 1973م _أي قبل خمسة أشهر من قيام حرب أكتوبر عام 1973م_ إلى سيناريو أميركي طرحه (والتر ليفي) _الذي كان يعتبر عميد خبراء اقتصاد النفط بالولايات المتحدة كما وصفته صحيفة (نيويورك تايمز) بعد وفاته في ديسمبر 1997م، وقاد (والتر ليفي) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قطاع البترول لخطة (مارشال) من خلال مكتب الخدمات الاستراتيجية التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية (سي أي إيه)_ عن قرب ارتفاع مداخيل منظمة الأوبك من مبيعات النفط بنسبة 400% إلى 12 دولار، واقترح أثناء الاجتماع أيضًا خيار استخدام أو الاستفادة من حظر النفط الذي كانت تهدد به المملكة منذ حرب 1967م لإعطاء مبرر لزيادة الأسعار لمستويات عالية. 

الغريب في الأمر أن الاجتماع لم يكن يهدف إلى منع حدوث هذا الإرتفاع الهائل بقدر ما كان التخطيط لكيفية إدارة السيولة النقدية الضخمة المتوقعة من بيع النفط بالدولار، وهي عملية سُميت فيما بعد من قبل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسينجر) بـ (تدوير الدولار أو بترودولار) من خلال اتفاقية صِيغَت عام 1974م وما زالت سارية المفعول حتى الآن.

وقد مارست الادارة الامريكية ضغوط على دول الاوبك لرفع الاسعار بنسبة 400% وأكد الشيخ (أحمد زكي يماني) وزير النفط السعودي (1962م-1986م) ذلك في لقاء مع صحيفة (الغارديان) البريطانية 14 يناير 2001م قوله:" أنا متأكد بنسبة مائة بالمائة من أن الولايات المتحدة كانت خلف زيادة الأسعار" أربعة أضعاف 400% إلى 12 دولار, هذا يعني ان الادارة الامريكية سعت منذ الغاء اتفاقية بريتون وودز  15 اغسطس من عام 1971م خلف تفعيل الحظر بحرب اكتوبر من اجل رفع الاسعار اربعة اضعاف عما هي علية قبل الحظر.

كان الهدف الأساسي للإدارة الأمريكية من تعطيل إمدادات النفط عن طريق الحظر هو إعادة الطلب على الدولار مرة أخرى، وبالتالي عودة الثقة في النظام المالي العالمي الذي كاد ينهار بعد إلغاء اتفاقية (بريتون وودز)، ثانيًا انعكاس تضخم أسعار النفط بنسبة 400% يؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج والتصنيع بشكل واسع تدفع بمعدلات التضخم إلى مستويات أعلى تُنعِش الاقتصاد بشكل عام، وهو ما حدث تمامًا حيث ارتفعت معدلات التضخم إلى الضعف عام 1973م عما كانت عليه عام 1972م، و إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 1974م .

*بعض ماجاء في المقال سبق و أن ذُكِرَت في مقالة سابقة لكن لأهميتها للأحداث الراهنة تم إعادة نشرها.