خطط العراق لزيادة إنتاج نفطه مهددة

19/06/2014 0
عامر ذياب التميمي

برزت حتى وقت قريب رهانات كثيرة على انطلاق الاقتصاد العراقي نحو الانتعاش المثمر وارتفاع معدلات النمو وتحسن مستويات المعيشة. لكن الأحداث الأخيرة وأهمها سيطرة مسلحين على محافظات في الشمال والغرب، أعادت إلى دائرة الضوء ضرورة الاستقرار الأمني والسياسي لتحقيق إنجازات حقيقية على أرض الواقع الاقتصادي.

بلغ إنتاج النفط في العراق في الآونة الأخيرة نحو 3.4 مليون برميل يومياً، وهو مستوى تاريخي غير مسبوق خلال السنين الـ35 الماضية. وعبّر مسؤولون عراقيون عن طموحات إلى رفع مستوى الإنتاج إلى تسعة ملايين برميل يومياً، فأبرموا العديد من اتفاقات الإنتاج والامتياز مع شركات نفطية عالمية.

وفي ظل التطورات الأخيرة يُخشى أن يتكرر المشهد الليبي فتستولي مليشيات مسلحة على مواقع الإنتاج والمصافي وتمنع الحكومة من تصدير النفط الخام أو استخدام المشتقات النفطية.

وربما تختلف الأوضاع في العراق عن ليبيا إلى درجة ما فالإنتاج النفطي الأساسي جارٍ في مناطق الجنوب ويصدَّر من موانئ البصرة وهي مناطق يستبعَد وقوعها في أيدي المسلحين، على رغم إمكانيات التخريب والتعطيل الجزئي.

كذلك يرجَّح وقوع مناطق الإنتاج في الشمال تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية التي ستعمل على تصدير النفط من خلال خط الأنابيب الذي يصب في ميناء جيهان التركي.

ويمكن لو طالت سيطرة المسلحين على محافظات شمالية وغربية، مثل نينوى وصلاح الدين والأنبار وربما أجزاء من ديالى، أن تعطل خطط الإنتاج الجديدة المقررة من الحكومة العراقية والشركات النفطية التي تعاقدت معها إذ يفترَض البدء بالتنقيب والإنتاج في عدد من هذه المحافظات.

أما ما أنجِز في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين في مجال التطوير الاقتصادي فلم يكن ملموساً على الرغم من تدفق إيرادات النفط خلال السنوات العشر الماضية، فالبنية التحتية بقيت من دون صيانة وتطوير، والمرافق الحيوية، مثل الكهرباء والمياه والمجاري، لا تواكب متطلبات الحياة العصرية، إذ يقطَع التيار الكهربائي، مثلاً، ساعات طويلة بما يزيد معاناة المواطنين ويعرقل الإنتاج الصناعي والنشاطات الاقتصادية الأخرى.

وأدت الأوضاع الأمنية غير المستقرة إلى عزوف كثير من الشركات ومؤسسات الاستثمار عن توظيف أموالها في العراق، ما عدا المناطق الشمالية الكردية، وتراجِع شركات كثيرة عقوداً أبرمتها مع الحكومة العراقية لإنجاز أعمال في قطاع المرافق والبنية التحتية، بسبب خوفها على سلامة عامليها.

ثمة صعوبات كبيرة أمام الراغب في الحصول على بيانات مدققة عن الأوضاع الاقتصادية للعراق، إذ تعطل إصدار البيانات الأساسية منذ نشوب الحرب العراقية - الإيرانية في 1980، وثمة ملاحظات منهجية على البيانات المنشورة عن العراق. لكن مهما يكن من أمر فإن الناتج المحلي الإجمالي للعراق قدِّر بـ 236 بليون دولار عام 2012، فيما يبلغ عدد سكان العراق حوالى 31 مليون شخص، ما يعني أن معدل دخل الفرد يتجاوز سبعة آلاف دولار سنوياً.

ونظراً إلى ارتفاع الصادرات النفطية في الأعوام الأخيرة ارتفع معدل النمو الاقتصادي إلى أكثر من سبعة في المئة في 2012. ويعني ذلك تحسناً مهماً في الأوضاع المعيشية لعراقيين كثيرين، فالحكومة تمكنت من زيادة الإنفاق بسبب تزايد أعداد العاملين في المؤسسات الحكومية، خصوصاً في الوظائف العسكرية والأمنية. وتظل نسبة البطالة مرتفعة (16 في المئة)، كما يقدر اقتصاديون أن حوالى 25 في المئة من السكان هم دون خط الفقر المحدد من الأمم المتحدة.

معلوم أن العراقيين لم ينعموا باستقرار سياسي خلال أكثر من 60 سنة ولم تتحسن أحوالهم المعيشية على رغم أن العراق هو البلد الثاني بعد السعودية لجهة القدرة الإنتاجية للنفط. أما تخصيص موارد مالية مهمة للعسكرة والتسليح خلال تلك السنوات، بما فيها مرحلة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين، فلم يمكن من الارتقاء في مجالات مدنية حيوية مثل التعليم والرعاية الصحية أو الإسكان أو تطوير صناعات أو خدمات حيوية يمكن أن تستوعب اليد العاملة وتساهم في تنويع القاعدة الاقتصادية.

ويظل الاقتصاد موجهاً أو شمولياً لا يؤدي فيه القطاع الخاص فيه دوراً محورياً. وعلى رغم محاولات الأنظمة السابقة تحديث بنية الأعمال وتطوير نشاطاتها، حالت ظروف الحرب العراقية- الإيرانية ثم غزو الكويت وفرض عقوبات اقتصادية دولية، دون نجاح تلك المحاولات التي لم تكن جادة عموماً.

ويبقى قطاع النفط القطاع المحوري في هذا الاقتصاد وتشكل إيراداته 80 في المئة من الإيرادات السيادية و90 في المئة من إيرادات الخزينة العامة.

ويساهم قطاع الصناعة بنسبة 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الصناعة تعتمد على القطاع النفطي في شكل طاغ، أما الزراعة فلا تساهم سوى بـ 3.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقطاع الخدمات بـ 31 في المئة.

ويلاحَظ تواضع مساهمة القطاع الزراعي في بلد ظل حتى نهاية العهد الملكي في 1958 من أهم البلدان المصدرة للمواد والسلع الزراعية قبل بداية تدهور هذا القطاع بفعل القوانين والإجراءات التي صدرت بعد انقلاب تموز (يوليو) 1958.

لن يتمكن العراق من تحقيق إنجازات اقتصادية من دون تحقيق الاستقرار السياسي واستيعاب مشاركة مكونات المجتمع كلها من دون تهميش، وكذلك توظيف الإمكانيات المتاحة لدى القطاع الخاص وتعزيز الشراكات مع المستثمرين العرب والأجانب.

نقلا عن الحياة