يتسلم الاقتصادي عادل عبد المهدي وزارة النفط العراقية في حكومة حيدر العبادي، في وضع أمني حالك يواجهه العراق، إضافة إلى مجموعة من الصعاب التي تتطلب إدارة رشيدة وحازمة لتحسين صناعة النفط الذي شكلت إيراداته حوالى 93 في المئة من موازنة الدولة للعام الحالي. وبلغت مخصصات النفقات الاستثمارية في الموازنة حوالى 38 في المئة مقارنة بها في النفقات الإدارية البالغة 62 في المئة. وأثقل فقدان التوازن الاقتصادي هذا كاهل التطور العراقي.
ينتج العراق حوالى 3 ملايين برميل يومياً، بينما خططت حكومة المالكي لإنتاج 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2017. لذا، حاولت تخفيف إخفاقها بمراجعة الاتفاقات مع شركات النفط، وتبيّنت لها صعوبة تحقيق الهدف، نظراً إلى عدم توافر المنشآت اللازمة من محطات ضخ وخزانات وأنابيب ومرافئ تصدير. وخير مثال على ذلك توافر طاقة إنتاجية جديدة من حقول الجنوب، لم يتم استغلالها لشهور بسبب تأخر تشييد خط أنابيب إلى المرافئ، كان منتظراً خلال الربع الأول من السنة، لكن يتوقع افتتاحه في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بطاقة 400 ألف برميل يومياً.
بالفعل، تم الاتفاق في أوائل الشهر الجاري مع شركتي «بريتش بتروليوم» و «شركة النفط الوطنية الصينية» المسؤولتين عن تطوير حقل الرميلة، على خفض الطاقة الإنتاجية المستهدفة إلى حوالى 2.1 مليون برميل يومياً، بدلاً من 2.8 مليون كانت منتظرة. وينتج الحقل حالياً حوالى 1.4 مليون برميل يومياً، أي نصف الإنتاج العراقي تقريباً.
أطلقت حكومة المالكي هذا البرنامج الطموح لتطوير الحقول قبل حوالى خمس سنوات للحصول على إيرادات مالية بسرعة نظراً إلى الأزمة المالية العالمية ولحاجة الحكومة إلى تلبية الحاجات المتزايدة للموازنة. وشعر خبراء النفط العراقيون بضخامة التوقعات، فاقترحوا خفض التوقعات من خلال إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع الشركات العالمية. فالتقديرات الجديدة هي الحصول على طاقة إنتاجية بحوالى 9 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020. كما خفضت الأهداف الإنتاجية المرجوة من حقول ضخمة أخرى في جنوب البلاد، مثل حقلي غرب القرنة 1و2 وحقلي الزبير ومجنون، من خلال مراجعة الاتفاقات البترولية وتعديلها.
خطأ آخر أضر بالصناعة النفطية، لكن لم يتم التعامل معه بعد أو حتى النظر فيه، وهو تهميش العشرات من الكادر النفطي الوطني وتهجيرهم واعتقالهم واغتيالهم. لقد آن الأوان للاعتراف بهذا الخطأ الذي أدى إلى خسارة العراق مجموعة مهمة من خبرائه النفطيين، وإعادتهم إلى القطاع النفطي الذي كانوا يعملون فيه للمساهمة في إنشاء صناعة حديثة، ومراقبة أعمال الشركات الدولية في الحقول. إن الاستغناء عنهم هو جزء من منهجية تعامل المحتل عام 2003 مع موظفي الدولة واتهامهم جزافاً بشتى التهم، من دون أي مساءلة أو محاكمة. لقد دفع العراق ثمن هذا الخطأ بفقدان الأمن والاستقرار مع حل الجيش، كذلك في وهن الصناعة النفطية بفقدان خبراء الجهاز النفطي الذين أرسلتهم الدولة في حينه إلى خيرة الجامعات العالمية للتخصص. واستطاعوا إدارة الصناعة بجدارة لعقود على رغم الحروب والمقاطعة الدولية.
تواجه الصناعة النفطية تحدياً آخر، هو كيفية تعامل وزارة النفط الاتحادية مع الإقليم والمحافظات. فالمحافظة على سيادة الدولة أولوية، مع الاعتراف بما تم إنجازه من تقدم في الصناعة المحلية. ولا يمكن نكران الإنجازات التي حققها إقليم كردستان في صناعته النفطية، إذ تراوحت طاقته الإنتاجية هذه السنة ما بين 200 و400 ألف برميل يومياً (مناصفة بين حقلي طوقة وطق طق). هذا واقع يجب التعامل معه من دون تهديد سيادة العراق. لقد صدّر الإقليم إلى تركيا حتى الآن من طريق أنبوب مستقل عن الدولة حوالى 8 ملايين برميل، تم تحميل 6.5 مليون برميل منها. ويجب التعامل بهدوء مع هذا الوضع من خلال مفاوضات سياسية ونفطية مشتركة للتوصل إلى حلول للتجاوزات التي حصلت من جانب الطرفين. وتكمن الخلافات في ضبابية الدستور الذي تحمل بنوده النفطية أكثر من تفسير. وهناك ضرورة لحل هذه المعضلة قبل فوات الأوان، حيث تهدد محافظات أخرى بخطوات مماثلة.
يكمن التحدي الأكبر في انتقال المشكلة إلى محافظة البصرة، ركيزة العراق النفطية. إن معالجة هذا الملف ضرورية لوحدة العراق ونهضة صناعته النفطية ومنع تفتت البلاد إلى دويلات. فالبلد يعاني من بروز ميليشيات مسلحة ذات ولاءات متعددة. والإرهاب تغلغل ليصبح لاعباً مهماً في السياسة الداخلية. وقد يكون مفيداً اعتماد مشروع قانون النفط والغاز لعام 2007، كمرجع للمحادثات بهذا الصدد.
التحدي الثالث هو في حل مشكلة النفط في كركوك. فقد توقف تصديره منذ آذار (مارس) الماضي بسبب التفجير المستمر لأنبوب يصله بميناء جيهان التركي. كما تدهورت الطاقة الإنتاجية لحقل كركوك العملاق إلى حوالى 400 ألف برميل يومياً. والإنتاج الوحيد للحقل خلال الأشهر الأخيرة هو حوالى 150 ألف برميل يومياً لمصفاة بيجي. وعلى رغم أن حكومة إقليم كردستان مدّت أنبوباً لها من كركوك إلى الحدود التركية، إلا انه لم يستعمل حتى الآن. وما يعقد مسألة كركوك أكثر، هو سيطرة قوات البيشمركة على الحقول في حزيران (يونيو) الماضي، واستمرار احتلال «داعش» الجنوب الغربي من كركوك مع توقع تصاعد العمليات العسكرية في المنطقة، ما سيعرقل تطوير الحقول.
نشير أيضاً إلى ضرورة إعطاء الاهتمام اللازم لاستغلال الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء بدلاً من حرقه، وإلى مشاكل فساد وسوء إدارة الدولة (عرقلة وتأخير ورِشى في المعاملات)، ناهيك عن استغلال النفوذ في تحصيل الوكالات.
يذكر أن عادل عبد المهدي استطاع، أثناء توليه مسؤولية وزارة المال في حكومة أياد علاوي، ورئاسته الوفد العراقي في المفاوضات مع دول نادي باريس الدائنة وصندوق النقد والدول الدائنة غير الأعضاء في نادي باريس، ودول الخليج والدائنين التجاريين، الحصول على موافقة هذه المجموعات المختلفة لإلغاء الجزء الأكبر من ديون العراق البالغة في منتصف العقد الماضي حوالى 130 - 140 بليون دولار.
نقلا عن الحياة