تدرس دول مجلس التعاون الخليجي ومنذ مده إمكانية اعتماد ضريبة القيمة المضافة وهي ماتعرف اختصاراً بـ VAT، وذلك لتخفيف الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي لإيرادات الميزانية العامه للدوله، حيث إن ارتهان اقتصاد هذه الدول- بل ودول المنطقة ككل- بأسعار النفط الحادة التذبذب لا يساعد على إرساء قواعد التنمية المستدامة.
وسنتحدث فيما يلي عن أسباب إختيار هذه الضريبة بالذات والآثار المتوقعة لها على الاقتصاد السعودي، ويمكن للقارئ الكريم القياس على باقي دول الخليج. لكن يجب أن نوضح في البداية مفهوم هذه الضريبة وكيفية حسابها.
مفهوم القيمة المضافة باختصار هو الفرق بين سعر بيع المنتج وتكلفة إنتاجه، وتظهر هذه القيمة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، إبتداءً من مرحلة تحويل المواد الخام إلى مواد وسيطة ثم إلى منتجات نهائية وإنتهاءً ببيع المنتج النهائي للمستهلك.
وضريبة القيمة المضافة تؤخذ في كل مرحلة من مراحل الإنتاج. ولتبسيط فكرة حساب هذه الضريبة نورد المثال التالي: صناعة قطعة أثاث (كرسي مثلاً) تتطلب مدخلات تكلفتها 100 ريال قبل فرض الضريبة.
بعد فرض الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 10% مثلاً، فإن بائع هذه المدخلات سيبيعها لصانع الأثاث بقيمة 110 ريال وليس 100 ريال. صانع الأثاث بدوره والذي كان يبيع القطعة لمحل الأثاث بـ 120 ريال قبل فرض الضريبة سيبيعها الآن بمبلغ 132 ريال (110 ريال قيمة المدخلات + 20 القيمة المضافة +2 ريال ضريبة القيمة المضافة).
وأخيراً، محل الأثاث الذي كان يبيع القطعة للمستهلك النهائي بـ 150ريال قبل فرض الضريبة، سيرفع سعرها الآن إلى 165 ريال (132 ريال قيمة المدخلات + 30 ريال القيمة المضافة + 3 ضريبة القيمة المضافة).
وقد جاء التفكير بهذا النوع من الضرائب بالذات، بالاضافة إلى دعم إيرادات الدولة، لعدة أسباب منها:
1-انتشار استخدامها في معظم دول العالم، فهي مطبقة في حوالي 150 دولة حول العالم. الولايات المتحدة الأمريكية هي الاستثناء الوحيد بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي لاتطبق فيها هذه الضريبه.
2-العائد الكبير المتوقع من هذه الضريبه، حيث تشكل في المتوسط مانسبته 19% من إجمالي عائدات الضرائب بمختلف أنواعها لدول OECD، وترتفع في بلد كشيلي إلى حوالي 40%. وتصل عائدتها إلى مانسبته 6.4% من إجمالي الناتج المحلي لدول OECD، وفي الدنمارك تبلغ عائداتها حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
3-استخدامها للتعويض عن النقص الحاصل في الايرادات الجمركية بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، حيث أدى الانضمام الى انخفاض متوسط التعرفة الجمركية على الواردات من حوالي 12% إلى 4.5% تقريباً.
4-استخدامها كوسيلة حماية للصناعات المحلية ضد المنتجات المستوردة، حيث إن فرض هذه الضريبة يعيد التعرفة الجمركيه على الواردات ولكن بصورة أخرى تتوافق مع أنظمة منظمة التجارة العالمية.
5-تشجيع الصادرات، هذه الضريبة تفرض على المبيعات المحلية فقط، لذا فإن إلغائها على الصادرات يعتبر حافزا قويا للمنتجين على التصدير.
ويبدو أن التفكير في فرض هذه الضريبه يقابله نوع من التردد من قبل دول المجلس. وهذا التردد له مبرراته، إذ أن هذه الدول ومنذ نشأتها هي دول رفاه Welfare States، تقوم بصرف الريع المتحصل من الثروة الطبيعية (النفط والغاز) لتحسين المستوى المعيشي لسكانها.
وجزء من هذا الصرف يتم عبر الانفاق المباشر على المؤسسات ـ العامة وشبه العامة ـ وجزء عبر الانفاق على المشاريع التنموية التي يسند تنفيذها إلى القطاع الخاص، بالاضافة الى حزم الدعم والاعانات المختلفه للقطاع الخاص والمواطنين، وتشمل القروض الاستثماريه والاجتماعية وقروض الإسكان والأسعار المخفضة للخدمات والمواد الخام. لذا نجد أن الانفاق الحكومي في المملكة هو السبب الرئيسي في الرفاه الذي يلمسه المواطن. لكن تكلفة هذا الرفاه توسعت كثيراً واصبحت ترهق كاهل الدولة وتستنزف الثروة النفطية.
واستحداث أي نوع من الضرائب سيكون بمثابة استرداد لجزء من الانفاق الحكومي، ولو أن الدولة قامت بتخصيص عدد كبير من المؤسسات الحكومية، وبتقليص حجم الإعانات لأدى ذلك إلى تخفيض كبير في حجم الانفاق الحكومي وإلى زيادة كفاءة عمل هذه المؤسسات. لكن هذا الخيار يبدوا مستحيلا على الأقل على المدى القريب.
وبالرغم من أن الأسباب الداعية لتطبيق ضريبة القيمة المضافة تبدو منطقية كما ذكرنا سابقا، إلا أن لها عدة تبعات اقتصادية يجب أن تؤخذ في الحسبان اهمها:
1-أثرها على الحركة الاقتصادية والانتاج:
سيؤدي فرض هذه الضريبة إلى تقليص حجم الاستثمارات نتيجة لانعكاساتها على العائد المتوقع للاستثمار، إذ ستؤثر على حجم الطلب بالتالي ستؤدي إلى تقليص حجم الانتاج والربحية للمشاريع. وقد يؤدي ذلك إلى عزوف العديد من الاستثمارات الأجنبية عن القدوم للمملكة، بل وقد يؤدي إلى خروج جزء من الاستثمارات المحلية، بحثاً عن فرص استثمارية أكثر جدوى في دول أخرى. وهذا بدوره سيؤثر على العائد المتوقع من هذه الضرائب.
المشاريع الصغيرة ستكون أكثر تضرراً من المشاريع الكبيرة بهذه الضريبة، لعدة أسباب أهمها ارتفاع أسعار مدخلاتها مقارنة بالشركات الكبيرة التي تشتري باسعار أقل، وهذا سيزيد من سيطرة الشركات الكبيرة على السوق، التي تستطيع تمرير كامل تكلفة الضريبة إلى المستهلك النهائي.
أما المشاريع الصغيرة فقد تضطر لتحمل جزء من هذه الضريبة إذا ما أرادت الاستمرار في المنافسة. أمر آخر وهو التكاليف التي ستتكبدها المشاريع الصغيرة لمتابعة وحساب واسترجاع قيمة الضريبة المضافة، حيث ستكون هذه التكاليف عالية نسبة إلى إمكانيات وموارد هذه المشاريع.
2-أثرها على التوظيف:
سيقوم القطاع الخاص بالعمل على تقليل حجم نفقاته قدر المستطاع لكي يقلص من أثر الضريبة على ربحيته.
ومن الوسائل التي سيلجأ إليها تقليص الانتاج بقدر تراجع الطلب، والوسيلة الأسهل لذلك هي تسريح العاملين أو تقليص أجورهم. كما أن الاقتصاد سيخسر العديد من الوظائف نتيجة خروج بعض الاستثمارات أو عدم قدومها.
بعض أصحاب المشاريع الصغيرة أيضاً قد يتحولون إلى طالبي وظائف بدلاً من كونهم أرباب أعمال توفر فرص عمل للآخرين. وهذا كله سيفاقم من مشكلة البطالة التي تعاني منها المملكة.
وحيث أن الدولة تبذل ومنذ سنوات العديد من الجهود والمبادرات لتنمية القطاع الخاص وتحفيز الاستثمارات وتشجيع القطاع الخاص على توظيف المواطنين، وقد انفقت مبالغ طائلة في سبيل تحقيق هذا الهدف. فإن فرض ضريبة القيمة المضافة، إذا ما أقرت، سيأتي في اتجاه مناقض لكل تلك الجهود.
ومن أهم الانتقادات الأخرى التي يمكن توجيهها لضريبة القيمة المضافة ما يلي:
1-تكلفة تحصيلها: تطبيق هذه الضريبة يحتاج إلى جهاز إداري ضخم، لإعداد أنظمتها وقوانينها، ولحسابها ومتابعتها وتحصيلها، وهذا سيفرض عبء مالي كبيرعلى الجهاز الحكومي المتضخم ويزيد من نفقاته.
2-التنسيق مع دول المجلس: تحتاج دول المجلس إلى تنسيق دقيق وشامل لتحديد وتطبيق أنظمة هذه الضريبة، وهذا سيشكل تحد كبير ويفرض عبء إداري ومالي إضافي على الدولة.
كما أن مستوى التنسيق بين دول المجلس خصوصاً في النواحي الاقتصادية لايزال دون الطموحات، والاتحاد الجمركي الخليجي خير مثال.
3-كفاءتها: من الطبيعي أن تلجأ العديد من الشركات المتضررة من هذه الضريبة إلى شتى الوسائل، ومنها الفساد، بهدف التهرب الضريبي. لذلك فإن العائد المتوقع لهذه الضريبة سيكون أقل من المتوقع، كما أن تكلفة تحصيلها والتي ستكون كبيرة جداً ستقلل من حجم ايراداتها للدولة.
4-عدالتها: ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة على الاستهلاك، وستقوم الشركات بتمرير هذه الضريبة إلى المستهلك.
لذا سترتفع الأسعار وسينخفض مستوى الطلب، وارتفاع الأسعار سيؤدي إلى تقليل مستوى الدخل المتاح للمستهلكين وبالتالي مستوى رفاهية المجتمع. وسيكون أثر هذه الضريبة أشد وطئة على ذوي الدخل المحدود الذين ينفقون معظم دخلهم على متطلبات الحياة الأساسية.
فيما سبق قمنا بتوضيح أسباب توجه دول المجلس نحو فرض ضريبة القيمة المضافة، وأوردنا بعض الآثار السلبية لمثل هذه الضريبة.
لكن الاستمرار في اعتماد المملكة على النفط كمصدر للدخل لا يجب أن يكون خياراً بل يجب البحث عن مصادر أخرى لتعزيز موارد ميزانية الدولة.
إلا أن خيار فرض ضريبة القيمة المضافة لا يبدو هو الحل الأمثل لهذه الإشكالية، والحل من وجهة نظرنا يتمثل في البحث عن ضريبة توفر مصدر دخل مضمون للدولة بأقل التكاليف، وتكون آثارها الاقتصادية والاجتماعية بناءه، ونعني بها الضريبة على الأراضي. وسنقوم في المقال التالي بتقديم شرح لفكرة ضريبة الأراضي والأسباب الداعية لها.
مقال جيد وبانتظار المقال القادم. ينبغي النظر كذلك إلى سبل أخرى لفرض الضرائب على بعض القطاعات الحيوية الأخرى والتي يكثر فيها الهدر مثل وقود المركبات والكهرباء والماء والتي تستزف مواردنا المحلية بشكل هائل إذا ما قورنت بالمعدلات الإقليمية والعالمية.