اقتصاديات ضفتي البحر الأحمر

16/06/2014 2
سعيد بن زقر

شواطىء البحار يمكن أن تكون جسراً للثراء الاقتصادي بين الأمم مثلما يمكن أن تكون مصدراً للإزعاج وتصديره ،وما يحدث بين دول غرب أفريقيا ودول جنوب أوربا مثال يوضح ما أود الإشارة إليه في هذه السطور، ولابد أن كلاً منا تأمل في موجات المهاجرين التي تجسد حقيقة الأوضاع بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط في أفريقيا وبجنوب أوربا.

البحر الأحمر بحمد الله يكاد يكون بحيرة عربية خالصة ومستويات التنمية بين ضفتيه متفاوتة ولكن ليس بسوء الأوضاع في غرب أفريقيا وهو في كل حال يجمعنا بدول عربية شقيقة تمتلك جميع عوامل النجاح الاقتصادي ولديها موارد يحتاجها قطاع الأعمال السعودي سواء الأيدي العاملة المدربة أو الأسواق الاستهلاكية أو توفر موارد طبيعية تجعل من البحر الأحمر نفسه مورداً اقتصادياً هاماً فضلا عن أنه وسيلة للنقل الرخيص للمواد الخام، والمواد المصنعة بين ضفتيه وأيضا لتنمية ثروات المجتمعات من حيث أن القرب يجعل تكلفة التصنيع أقرب للجدوى ،ولهذا فالتكامل الاقتصادي بين ضفتي البحر الأحمر على عكس ما يحدث مع جنوب أوربا تكامل طبيعي وتلقائي.

ومن ناحية أخرى يظل البحر الأحمر نفسه مصدراً لثروات سياحية ومعدنية وربما احتياطات نفطية غير مستثمرة وغير مكتشفة.

ومن المفارقات أنه رغم سهولة التواصل ووجود عوامل التداخل الطبيعي وتوفر الثروات فإن مستوى المعيشة بكل أسف في دول شواطئ البحر الأحمر من اليمن جنوباً مرورا بالسودان وجيبوتي والصومال ومصر وإلى الأردن شمالا، لا يسر الناظرين ولهذا يسعد المرء ويتشرف بمبادرة خادم الحرمين التي حض فيها الدول العربية الثرية ودول العالم كافة للمشاركة في (مؤتمر دعم مصر) وهي مبادرة تأتي في وقتها وتتسق مع توجهاتنا الاسلامية ومسئوليات قيادتنا الرشيدة وهي بالفعل سيكون لها تأثيرها الإيجابي في محيطنا العربي كله، لأن الدول الغربية في المقابل لها أجندتها التي تختلف عن أجندة المملكة ومصالحها والدول الغربية تدرك حجم ثروات وموارد دول حوض البحر الأحمر ولهذا عندما تتقدم مؤسساتها المالية للاستثمار فإنها تأتي لكي تستغل ثروات الدول العربية الشقيقة بفرض شروط تعجيزية ذات آثار سلبية على اقتصاد هذه الدول، يؤكد ذلك أن الدول المتلقية للقروض في ضفة البحر الأحمر ظلت لا تستفيد من الديون الربوية إلا كما يفيد السم المريض فقد ضاعفت من حجم البؤس الاقتصادي والقعود بالتنمية المحلية لأنها ببساطة تغرق اقتصاد الدول المستدينة في فوائد ربوية لا تلبث تسخر كل الموارد الاقتصادية الشحيحة لسداد خدمة ديون نادي باريس وفوائد قروض صندوق النقد الدولي لأن هذه المؤسسات ظلت تربط قروضها (بالإصلاح الهيكلي) وهو في المحصلة تسخير لموارد هذه الدول لصالح المصارف العالمية المعروفة ولهذا ما تحتاجه الدول المتشاطئة على ضفتي البحر الأحمر مبادرة اقتصادية تنقذها من هذا المصير المشئوم بتوفير شراكة استثمارية مستدامة تدعمها وتقودها المملكة بما يحقق مصالح الأطراف وقد يرى الخبراء البدء بإنشاء منطقة حرة للتبادل التجاري تجمع البائع إلى المشتري عبر آلية تمويلية مبنية على الشراكة التي تشجع التبادل التجاري بين الدول الأعضاء بحيث يمكن للدول المتشاطئة بين ضفتي البحر الأحمر الاستفادة من ذلك والتخلص من الآثار السلبية للدولار الأمريكي والاستدانة والاقتراض بالشروط التعجيزية التي قعدت بمعدلات التنمية الاقتصادية كما يمكن تجاوز التبادل التجاري السلعي إلى النهوض بمسئولية استغلال الثروات الكامنة في أعماق البحر الأحمر بما يعود بالنفع على الاطراف كافة على أن هذا يستلزم من الدول المتشاطئة تغيير الأنظمة الاستثمارية بما يتفق واتفاقية السوق العربية الكبرى وبأن تصبح جاذبة من حيث التحفيز والثبات ومن حيث تفعيل دور المنظمة العربية لحماية الاستثمارات العربية ،كما يستلزم توفير نوع من المعاملة التفضيلية للاستثمارات وأيضاً للأيدي العاملة المدربة كما يمكن الاستفادة من تجارب التجمعات الاقتصادية في آسيا وأوربا وتوظيفها بما يحقق الاستفادة وحماية اقتصاد دول حوض البحر الأحمر عبر معادلة كسبية (win-win strategy).

لقد أنعم الله علينا بالاعتقاد الإسلامي وباللغة والثقافة الواحدة والترابط التاريخي الضارب في القدم ولهذا أتمنى أن تدفع هذه العوامل الدول المقتدرة مالياً واقتصادياً لصياغة رؤية استثمارية تشاركية تقنع القطاع الخاص والعام بالاستثمار لتنمية الثروات لصالح المجتمعات بين ضفتي البحر الأحمر وبما يؤدي لقيام تنمية مستدامة تحقق نقلة نوعية في التصنيع وفي التوظيف وفي مستوى المعيشة وخلق الاستقرار الاقتصادي المنشود في المنطقة.

نقلا عن المدينة