يتسلم المشير عبدالفتاح السيسي الرئاسة في مصر في ظل تحديات اقتصادية مهمة قد لا تتوافر الإمكانات التي تتيح مواجهتها في المستقبل القريب.
فمنذ الإطاحة بحكم الرئيس حسني مبارك في شباط (فبراير) 2011، انخفضت احتياطات العملة الأجنبية إلى النصف تقريباً، ما أضعف القدرة على تلبية متطلبات واردات الغذاء والوقود، وتقارب الاحتياطات الآن 16 بليون دولار (ليست كلها سائلة)، ما يغطي واردات المواد الغذائية والوقود لثلاثة أشهر تقريباً.
وتأتي الإيرادات السيادية لمصر من السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وإلى حد ما صادرات النفط والغاز وبعض السلع المصنعة.
لكن إذا كانت تحويلات العاملين في الخارج مستمرة، وهي تحسنت لأسباب كثيرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى إيرادات قناة السويس، تراجعت إيرادات السياحة في شكل كبير. وأشار وزير السياحة هشام زعزوع إلى أن عام 2013 شهد تراجعاً مهماً في الدخل من السياحة إلى 9.9 بليون دولار من 12.5 بليون دولار في 2010. وغني عن البيان أن الاضطراب السياسي وتقلص الأمن عطلا تدفق السياح إلى البلاد.
ويواجه قطاع الصناعات التحويلية تعطيلاً مستمراً نظراً إلى الإضرابات العمالية وتدني الاستثمارات وضعف البنية التقنية أو تخلفها، ما يضعف إمكانات تعزيز الصادرات السلعية، بل إن توفير السلع إلى السوق المحلية تراجع بما يساهم في رفع الطلب على الواردات السلعية.
وبلغت قيمة الصادرات عام 2013 نحو 26 بليون دولار في حين كانت قيمة الواردات 57.5 بليون دولار، ما يعني أن عجز الميزان التجاري كان بحدود 31.5 بليون دولار.
ولذلك، فإن قيمة الدين الخارجي في ارتفاع، ويقدر هذا الدين بـ 47 بليون دولار منذ بداية 2014. وعلى رغم أن قيمة الدين الأجنبي معقولة إذا قيست كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (20 في المئة)، تظل القدرة على مواجهة التزامات خدمة الدين ضعيفة.
وحاولت دول الخليج منذ منتصف العام الماضي أن تساعد الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها المتعددة عندما تعهدت السعودية والإمارات والكويت بتقديم دعم مالي متنوع بقيمة 12 بليون دولار. كما أن هذه الدول التزمت في 2014 بتقديم دعم مقداره ثمانية بلايين دولار.
ولا شك في أن هذا الدعم يهدف إلى تمويل عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات وتوفير أموال تساهم في الإنفاق الرأسمالي على مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشاريع ذات المنفعة الاجتماعية.
لكن هذه الأموال الخليجية قد لا تكون كافية لسد متطلبات الإنفاق العام في مصر أو تمكين البلاد من مواجهة الالتزامات تجاه العالم الخارجي.
من أهم التحديات التي ستواجه أي حكومة مصرية جديدة هي ذاتها التي واجهتها الحكومات المصرية المتعاقبة على مدار العقود الثلاثة الماضية وهي كيفية معالجة الالتزامات في الموازنة العامة.
هناك مسألة الدعم التي تمثل 30 في المئة من مخصصات الموازنة الحكومية. ويتوزع الدعم بين دعم مشتقات الوقود بنسبة 80 في المئة والمواد الغذائية، خصوصاً الخبز، بنسبة 14 في المئة، ومخصصات دعم أخرى بنسبة ستة في المئة.
وطرح صندوق النقد الدولي ملاحظات مهمة في شأن هذه المسألة واقترح معالجات أخرى ربما تقلل من الكلفة، إلا أن التردد السياسي حال دون التوافق وعطل اعتماد قرض بقيمة 4.8 بليون دولار من الصندوق.
ويبدو أن تطوير سياسة الدعم يتطلب التأكد من أن أموال الدعم تذهب إلى المستحقين من الفقراء وأصحاب الدخول المتدنية.
ويجب أن يعاد النظر في دعم الوقود الذي يستنزف أموالاً مهمة ويُنفَق على فئات واستخدامات قد لا تكون أساسية وضرورية.
وتمثّل الإصلاحات المالية أهمية قصوى في مواجهة التحديات الاقتصادية في مصر، ولا بد من أن تعطُّل هذه الإصلاحات ناتج من الأوضاع المعيشية القاسية التي يعانيها المصريون في غالبيتهم منذ زمن طويل.
ويعيش 20 في المئة من السكان تحت خط الفقر المحدد من الأمم المتحدة. ويتكرس الفقر بضعف الاستثمار في القطاعات الحيوية، أي الزراعة والصناعات التحويلية، وارتفاع عدد السكان إلى حوالى 90 مليون نسمة.
وهكذا يتطلب إصلاح السياسات المالية المواءمة مع الالتزامات الاجتماعية تجاه الفئات المهمشة في المجتمع. وتعول أي حكومة مصرية في ظل أوضاعها الراهنة على المساعدات والقروض الأجنبية الميسرة.
إن من أهم العوامل التي تتطلبها عملية تعزيز الاستثمار هو تحرير البيروقراطية من الفساد السياسي والإداري وتسهيل عمليات توظيف الأموال وتوفير التسهيلات القانونية المناسبة.
ولا يمكن خفض أعداد العاطلين من العمل أو خلق وظائف جديدة من دون تعزيز دور القطاع الخاص المصري والأجنبي ورفع كفاءة الإدارة الاقتصادية.
وتقدر الإحصاءات الرسمية نسبة العاطلين من العمل بـ 13.5 في المئة من قوة العمل، في حين يقدر اقتصاديون مستقلون أن النسبة تتجاوز 20 في المئة.
لا بد من أن تعي الحكومة المصرية المقبلة أن معالجة الملف الاقتصادي يجب أن يحظى بالأولوية، وهذا الملف إذا جرت معالجته بنجاعة على مدى السنوات المقبلة، فإن مصر ستتمكن من تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.
قد لا تكون المعالجات يسيرة وربما لا تتوافر الإمكانات المالية الكافية، لكن لا بد من وضع أسس منهجية للتعامل مع القضايا الاقتصادية بما يعزز الثقة لدى المصريين وأوساط رجال الأعمال الأجانب والعرب والمؤسسات المالية الدولية.
نقلا عن الحياة
ارفعو الدعم وخلو الشعب يدعم السيسي بنفسه ..خخخ