"الإسكان" وأولويات العرض والطلب

27/05/2014 3
عبدالله محمد الشهراني

دشنت وزارة الإسكان الشهر الجاري برنامج القرض الإضافي والمتوافق مع أنظمة التمويل والرهن العقاري، حيث يضع آلية للتعاون بين الصندوق والبنوك وشركات ومؤسسات التمويل العقاري لمنح تمويل إضافي للراغبين في ذلك ممن اعتمدت قروضهم، وذلك بهدف حل مشكلة عدم كفاية قرض صندوق التنمية العقاري لتمويل شراء أو بناء مسكن.

وفي الشهر نفسه اعتمد صندوق التنمية العقاري الدفعة الأولى من قروضه العقارية في ميزانية العام المالي الحالي بمبلغ 5.5 مليارات ريال. ومن المتوقع أن يعتمد دفعات أخرى هذه السنة، علما بأن الصندوق صرح السنة الماضية أن أعدادا متزايدة ممن اعتمدت قروضهم لم يتقدموا لاستلامها نظرا لعدم ملكيتهم أرضاً. 

ومنذ إنشاء هيئة الإسكان في عام 2008 ثم تحولها إلى وزارة في عام 2011، واجهت وما زالت تواجه ضغوطا متزايدة شعبيا وإعلاميا بل وحتى رسميا من القيادة العليا لحل مشكلة عدم تملك نسبة كبيرة من المواطنين سكنها الخاص.

لذلك تروج وزارة الإسكان برامجها التمويلية ودفعات قروض الصندوق العقاري للتخفيف من هذه الضغوط. إلا أن هذه البرامج ودفعات القروض في رأيي للأسف لا تسهم في حل المشكلة إن لم تزدها.

فمشكلة السكن هي ببساطة مشكلة عدم توازن بين جانبي العرض والطلب، حيث يتزايد الطلب منذ سنوات على الأراضي والوحدات السكنية مدفوعا بنمو سكاني متسارع وإنفاق حكومي هائل وسيولة نقدية لدى الأفراد، يقابله من الناحية الأخرى نقص حاد في المعروض منها. 

والطلب على السكن حاجة أساسية للمواطن لا يمكنه استبدالها أو الاستغناء عنها، وبالتالي فإن لم يواجه هذا الطلب بعرض مساوٍ له فستظل مشكلة السكن تؤرق الحكومة كاملة وليس وزارة الإسكان وحدها. ولذلك، يتوقع المواطن من وزارة الإسكان بمساندة قوية من المجلس الاقتصادي الأعلى العمل على استحداث وتعديل سياسات تسهم في زيادة المعروض من الوحدات السكنية، لعل منها ما يلي على سبيل المثال: 

1. استحداث أنظمة وسياسات تمنع استخدام الأراضي كمخزن ثروة طويل الأمد، وهو السبب الرئيس في نقص المعروض منها حاليا وبالتالي ارتفاع أسعارها، حيث يمثل سعر الأرض حوالي 60 - 70% من تكلفة بناء الفيلا السكنية حسب دراسات منشورة. ومن السياسات والبرامج المقترحة في هذا الإطار فرض رسوم على الأراضي البيضاء غير المطورة واستحداث قروض بدون فائدة لتطويرها. 

2. تطوير المخططات الحكومية الموزعة وإيصال الخدمات لها بتمويل من مخصص برنامج الإسكان والبالغ (250) مليار ريال بدلا من انتظار مشاريع وزارة البلديات ذات الميزانيات المحدودة. 

3. استثناء مؤسسات المقاولات الصغيرة من أنظمة السعودة ورسوم العمالة. فهي التي قامت ببناء الطفرة الإسكانية للمملكة في السبعينات والثمانينات الميلادية، وهي المرشح الوحيد الحالي للقيام بالدور نفسه، ولذا يجب تخفيض تكاليف هذه المؤسسات تمهيدا لتخفيض تكاليف بناء المساكن على المواطن. ويجب أن تعترف وزارة العمل أن وظائف هذه المؤسسات ليست من النوع المستدام الذي يبحث عنها العاطل السعودي، ويمكنها إعادة النظر في هذا الاستثناء متى ما حصل التوازن في سوق السكن. 

4. العودة إلى إلزام المقترض من الصندوق العقاري ببناء وحدتين منفصلتين (دورين)، ويسري ذلك على تصميم الفلل الإسكانية التي تنشئها حاليا لتكون دورين منفصلين بدلا من التصميم الحالي. وبالتالي تضاعف الوحدات السكنية المعروضة، حيث يستطيع المستفيد استخدام دور وتأجير دور آخر إلى حين احتياج الابن في المستقبل إلى مسكن مستقل. 

5. استحداث وتفعيل الأنظمة التي تحفظ حقوق ملاك الشقق وتنظم العلاقة بينهم بما يشجع المواطن والمقيم على شراء شقة سكنية مناسبة لدخله بدلا من شراء أو بناء فيلا تزيد على حاجته وبتكلفة تقتص من موارده المعيشية الأخرى. 

6. حث المؤسسات الحكومية المستقلة والشركات والمصانع الكبرى على إنشاء وإدارة مجمعات سكنية لأفرادها. 

7. تقديم وترويج أنظمة بناء ثبتت صلاحيتها في دول العالم لتكون بديلة لنظام البناء الحالي المعتمد على الأسمنت والحديد المكلف. 

السياسات المقترحة أعلاه تدخل ضمن مهام وزارة الإسكان المنشورة على موقعها على الإنترنت، وأتوقع أن مشروع استراتيجية الإسكان التي لم يتم إقرارها إلى حينه تضمن أكثر وأفضل منها.

وبما أن المواطن يبحث عن سكن ولن ينتظر إقرار الاستراتيجية، فإن على الوزارة إعطاء الأولوية نحو زيادة جانب العرض في سوق الإسكان بالتنفيذ الفعلي لسياسات تدعمه، بدلا من إعطاء الأولوية لزيادة الطلب عبر توفير برامج التمويل والقروض العقارية، وبالتالي توسيع المشكلة بدلا من حلها.

نقلا عن الوطن